أنفاسفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن سيناريوهات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين , وبعيدا عن الإغراق في تفاصيلها والمروجين لها , وإذا كانت عادلة أم ظالمة ,  واقعية أم غير واقعية  ,
يبقى الحل المستند إلى قرارات الشرعية الدولية هو الأكثر عدلا وأكثر واقعية ,  إن لم يكن الممكن الوحيد     .
فقد كان  لإعلان  قيام "دولة إسرائيل" 1948 على الأراضي الفلسطينية وتهجير أهلها بداية الكارثة الوطنية للشعب الفلسطيني والأمة العربية.
ونظرا لان اللاجئين والمخيمات الفلسطينية المنتشرة في فلسطين ودول الطوق المحيطة- شاهد حي على الهمجية الصهيونية وشريعة الغاب الدولية وناقوس دائم للتمرد على هذا الواقع المهين، فقد سعت إسرائيل دائما إلى تصفية هذه القضية من جذورها  لاجئين- مخيمات- اونروا   لإدراكها بان استمرار هذه المشكلة قائمة، يحتم بقاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فمبكرا ومنذ نشوءها طرحت إسرائيل التوطين وإعادة التأهيل كحل لهذه المشكلة وما زالت، وعليه فان إسرائيل ترى أن أي تسوية للصراع القائم يجب أن تنهي هذه المشكلة من جميع جوانبها، فهي ترفض بحث قضية اللاجئين والنازحين الفلسطينيين بناء على أي مرجعية شرعية دولية بما فيها كافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وتصر على اعتبار إن الإطار التفاوضي هو المرجعية وما يتم التوصل إليه هو الحل وهو ثنائي بين إسرائيل وكل من فلسطين والدول المضيفة على حدة.
وهذه الفلسفة في الحل جسدتها المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية الموقعة في 26.10.1994 والتي أسقطت قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة كمرجعية للحل، وتنص على التأهيل والتوطين للاجئين والنازحين المقيمون في الأردن كحل، فالتوطين والتأهيل هو الحل الذي تراه إسرائيل لهذه المشكلة.

أنفاس..صفعها أمام الناس بكل قوة  الرجل  الذكر و ظلت هي مستسلمة أمامه محاولة الدفاع عن نفسها ببعض الكلمات الضعيفة:ماذا تفعل؟رد عليها بكل ثقة :أعرف ماذا أفعل.و عادت تبتسم من جديد كأن شيئا لم يحصل.و لم تحدث تلك الصفعة خللا في الشارع و أكملت الحياة مشوارها الطبيعي .فهي من مؤسسات الشارع  العربي المبني على الفحولة التي تكمم أفواه النساء بأقفال حديدية.لم أستطع الهروب من تلك الصورة التي آلمتني كثيرا و  عكست الحادث في خيالي و قلت:ماذا يا ترى كان سيحدث لو أن المرأة هي التي صفعت الرجل أمام الملأ؟
تخيلت رد فعل الرجل الذي سيكون عنيفا و تعاطف الناس من كل أجناسهم معه و استنكارهم على ما فعلته المرأة.لأنه من العار أن تمس كرامة الرجل خاصة من طرف امرأة.ومن العادي جدا أن تصفع المرأة أو الأنثى منذ ولادتها إلى أن توارى التراب.فقط لأن مجتمعنا المؤسس على الخرافات و العادات و الأعراف التي أنتجها الرجل،يعتبر المرأة شكلا خارجيا بدون فكر و لا روح و لا جسد مثل العبيد الذين كانوا في ملك أسيادهم يتصرفون بهم كيفما يشاءون.خلال تلك اللحظة، كرهت تلك  المرأة و استسلامها و قلت: لماذا لا تنتفض و ترفض تلك الاهانة القاسية من هذا الرجل  الذي سيستمر في  استعبادها كما استعبد أجدادنا جداتنا؟فهذا الرجل يحمل بتلك الصفعة حمولة ثقافية لها جذور في خلايانا الاجتماعية.تشرف الرجل الذي يضرب زوجته أو صديقته أو أخته..و تنعته بالفحل الذي يمسك بزمام الأمور و يتفاخر بذلك وسط التجمعات الذكرية.و من ينحو منحى آخر،فهو ضعيف و مغلوب على أمره.لماذا تفضل المرأة أن تعيش لغير ذاتها حتى تقبل في المنظومة الاجتماعية؟هذه المؤسسة الاجتماعية التي لا تعترف لها بحقها الإنساني رغم أنها من يصون الأسرة و يحمي حمى البيت.
صفعت، كأنني أنا التي  صفعت و أهنت وظلت حجرة عثرة في حلقي.أسئلة كثيرة تزاحمت في رأسي و قالت:لماذا لا تزال المرأة تعتبر نفسها ضلعا أعوج كما حكت لنا الأساطير و حكايات الجدات؟تنتج في البيت و خارج البيت ،ترعى أسرتها و تنسى نفسها.تعمل بعضلاتها و فكرها و تحصل على ثمن بخس أقل من الرجل.و مع كل هذا،تصفع؟هل لأن سكوت المرأة يدخل ضمن  الأخلاق الحميدة و المحمودة المعترف بها من طرف المجتمع؟  هل فعلا أن المرأة تحب الرجل الذي يكبل يديها و رجليها حتى تنساق وراءه؟كنت أسمع و مازلت أسمع أن كثيرا ما تصفع المرأة ..و تخنق الدمعة في جفونها و تكبت الصرخة في حلقها و تمسح آثار أصابع الفحولة على خدها و تبتسم و تستمر الحياة،حتى تكبر في عيون زوجها أو خطيبها أو صديقها ...و تصير رمزا للمرأة المطيعة، الصامتة، الصبورة..و تحكي هي بدورها حكايتها مع الألم و الصمت و مع ابتسامة الرضا.هناك إذن حكايتين:
-حكاية الحاكم الخشن الذي يصفع  و يزهو بذلك أمام قبيلته.و حكاية المحكوم عليها التي تستجيب للصفع المتكرر كأنه قدر لابد منه و تعطي به دروسا لمن قررت أن تقول لا.من المسئول إذن؟المجتمع؟التربية؟الرجل؟المرأة؟

أنفاسبين النازح و اللاجئ شعرة, لكنها أخطر من كل الرصاص والمدافع والحراب التي قتلت وقطّعت أجساد الفلسطينيين, فما يفرقهما عن بعضهما البعض هو الهذيان السياسي و اللا أخلاقي, والعمل الدؤوب من قبل اليهود ومن يتبعهم قاصداً أو غير قاصد إلى نهايات لا ترى في نهاياتها سوى الانتصار التوراتي لليهود, ذلك الانتصار الذي بدأ بكذبة شعب الله المختار, وتجّسد باحتلال فلسطين .
وبين النازح واللاجئ في مفهومنا جدار من الغربة واللا انتماء, بين أن تكون أبناً لهذه الأرض وبين أن تكون ضيفاً مرحباً أو غير مرحب بك, بين أن تمتلك مقومات حريتك وتفعل لك ولوطنك, وبين أن تكون مقيداً وطائعاً وملاحقاً وفاقداً لحريتك .
وبين النازح واللاجئ واقع مزيف سعى اليهود بكل ما يملكونه من قوة مادية وعلى مدى عقود طويلة إلى ترسيخه فينا نحن سكان وأهل الهلال السوري الخصيب .
فحين يصبح النازح الفلسطيني لاجئاً في الشام أو لبنان أو عمان أو بغداد, شأنه شأن أي أجنبي تهجّر من بلاده إلى بلد آخر, يصبح الوطن مزيفاً وتصبح المسألة الفلسطينية همّ فلسطين فقط .
وكل المصائب تبدأ من سايكس بيكو :
فقبل سايكس بيكو لم تكن ((اسرائيل ((
وقبل سايكس بيكو لم تكن فلسطين دولة, أو أرضاً مشاعاً .
وقبل سايكس بيكو لم تكن لبنان دولة.
وقبل سايكس بيكو لم تكن العراق ولا كردستان ..
وقبل سايكس بيكو لم تكن الأردن ولا الأسرة الهاشمية ...
وقبل سايكس بيكو لم تكن الشام دولة..
وقبلها لم تكن الكويت دولة عظمى..
وقبلها لم تكن جامعة الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.. .
وقبلها لم يكن لواء الأسكندرونة وكيليكيا تركياَ ..

أنفاسأضحى من المعروف حاليا، أن الذي لا يملك قوت يومه لا يملك قراره ولا يملك حاضره ولا قدرة له على التخطيط لغده ومستقبله، ومن لا يتحكم في مصدر الطاقة لا يملك القدرة على التحكم في تدبير دواليب اقتصاده وتوجيهه.
طبعا ليست هناك مجاعة على الأبواب بالمغرب، لكن هل تعيش بلادنا أزمة غذائية؟ والداعي لطرح هذا السؤال هو أن هناك على الأقل 4 بلدان شبيهة جدا ببلادنا، بدأت تدق نواقيس الخطر بهذا الخصوص، ومنها مصر، وهو البلد الذي حقق خطوات مهمة على درب الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بغذائها ومصدر طاقتها.
إن الاختيارات والقرارات الخاطئة أحيانا والعشوائية أحيانا أخرى على امتداد أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، لعبت الدور الرئيسي في عدم ضمان الأمن الغذائي والكهربائي بالمغرب.
لقد دقت القمة العالمية الأخيرة للغذاء، المنعقدة بروما أجراس خطر أزمة الغذاء بالعالم، إذ أكد العديدون حدوث أزمات بسبب نقص الغذاء وغلاء الأسعار، لاسيما وأن الدول الكبرى، اعتبارا لاهتمامها بمصالحها الخاصة، تعمل على صناعة الأزمات في دول العالم الثالث، وذلك لتستفيد منها لتحقيق المزيد من المكاسب وتقوية نفوذها في تلك البلدان بواسطة استخدام إحدى آلياتها الاقتصادية الناجحة إلى حد الآن، والمتمثلة في كل من صندوق النقد والبنك الدوليين، لفرض سياسيات اقتصادية وغيرها مقابل الحصول على قروض منها لاستيراد جزء مهم من غذائها، وقد أدى هذا المسار إلى وقوع العديد من الدول،  منها بلادنا، في براثين الديون، ليس من أجل النهوض وخدمة التنمية الشاملة المستدامة ولكن من أجل توفير الغذاء والطاقة.
يبدو أننا في حاجة لتحرك سريع لتغيير الإنتاج الزراعي والاهتمام بحكامة قطاع طاقتنا الكهربائية لإبعاد تهديدات الجوع والظلمة، إذ لم يعد يشك أحد بالمغرب في الأزمة الكهربائية والعجز الطاقي في هذا المجال، بجانب الأزمة الغذائية التي بدت مؤشراتها، اعتبارا لتكريس التبعية منذ سنوات بخصوصها.

هل المغرب يعيش أزمة غذائية؟

يبدو أن بلادنا تعيش أزمة غذائية بنيوية، اعتبارا لعدم تمكنها من تحقيق الاكتفاء الغذائي الذي طالما نادت به الكثير من الأصوات منذ الحصول على الاستقلال، وهذا أمر لم يعد يختلف بصدده مغربيان، لكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وإلى متى الاقتصار على التخفيف من حدة الأزمة الغذائية البنيوية استنادا إلى الدعم والاستيراد؟

أنفاسلا ينكر أحد اليوم المتاهة والمعضلة السياسية الكبرى التي دخلتها كل دول العالم دون استثناء سواء كانت نظامها ديمقراطيا أم استبداديا كما هو الشأن في بلداننا العربية التي نقول بصراحة إنها لم تستطعم معنى الديمقراطية في حياتها وربما لن تناله مادامت دار لقمان على حالها و حتى لا نستطرد كثيرا في موضوع الاستبداد  في العالم العربي وننسى الموضوع الأصلي نغلق هذا القوس عسى أن نعود له في عجالة قادمة . أما ما يشغلنا الآن حقيقة هو هذا الإهتمام العالمي بمسألة الأمن والاستقرار و طرحها كخيار استراتيجي لمستقبل الدول والعالم بصفة عامة خاصة  وأن كل الدول اليوم لا هم لها سوى محاربة الإرهاب الذي أصبح الشبح الخرافي الذي تطارده كل دولة دون أن تعرف هويته بل إن ما اصطلح عليه اليوم بالإرهاب جعل هذا المفهوم ملتبسا ومغرقا في الالتباس فالكل اليوم معرض للإرهاب ويمارس عليه و لكن لا أحد يعلم من أين يأتي وفي أي اتجاه يمارس ولكن المؤكد أننا ضحاياه و يأتينا من كل حدب وصوب و معالجته ربما تستدعي ميكروفيزياء الإرهاب . إن خشية الدول من أن يأتيها الإرهاب من حيث لا تدري دفعها للبحث في طريقة معالجة هذه الظاهرة المستعصية التي باتت تطلع طلوع الفطر عبر التركيز على استراتيجية واحدة أحادية وهو ما يسمى بالمعالجة الأمنية فعملت دول العالم على محاربة الإرهاب بالإرهاب فلم تخل دولة من تشديد الرقابة على مواطنيها والتنصت عليهم وتفتيشهم حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر النموذج الديمقراطي الذي يحتذي به  بقية العالم ناهيك عن الدول العربية ذي الطبيعة الاستبدادية حيث طغى هاجس الأمني على حرية المواطن وكرامته , بل من المعروف أن هذه الدول لا يهمها في سياق استراتيجياتها سوى هدف واحد ومبدأ واحد نسمعه يتردد وهو ضرورة تحقيق الأمن و السلام . والمتأمل في خلفية هذا المبدأ يكتشف أنه تصور نشأ في  القرن السابع عشر على يد الفيلسوف الانكليزي توماس هوبز حين قدم تصورا للسلطة السياسية يتأسس على سلطة الحاكم الذي سماه التنين في إشارة إلى القوة و الهيمنة لأن هوبز يعتقد أن البشر ليسوا في حاجة للحرية قدر حاجتهم للأمن والاستقرار ومن هنا أعطى المشروعية المطلقة للحاكم التنين و سمح له بالتدخل في شؤون المواطنين حتى تلك المتعلقة  بحرياته الشخصية مثل اختيار الدين إذا رأى أن ذلك يهدد أمن السلطة  و بالتالي هدف السلطة السياسية هي التخويف للإبقاء على زمام المحافظة على الأمن والاستقرار و بالتالي يتحول المواطن إلى مجرد شخص مطيع و خاضع . نفهم من خلال هذه العودة المقتضبة لفلسفة هوبز السياسية أن دولنا العربية تستخدم هذا النموذج في الحكم المستمد من القرن السابع عشر من أجل أن تفرض سيطرتها وتحول المواطنين إلى مجرد رعاع عليهم الامتثال لسلطة الحاكم المطلقة بدعوى الحماية من الإرهاب و محاربة عدم الاستقرار والفوضى وهي تشدد في ذلك من قبضتها الأمنية الحديدية تحت تعله تحقيق الأمن و هذا التوجه وجد طريقه أيضا للدول الأوروبية الذي دفعها توجسها وهاجسها من الإرهاب إلى انتهاك حرية مواطنيها بل أصبح أي شخص معرض للاضطهاد والحبس لمجرد التشكك فيه وغيرها من الممارسات  التي تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان .

أنفاسيقول جورج طرابيشي في معرض حديث له عن العلمانية في العالم العربي إنها أصبحت "مكسر عصا" لكل مبتدئ في الفكر. والحقيقة أنه ما من فكرة تعرضت للتشويه، والقذف، والكراهية، والتحريض، مثل فكرة العلمانية، وما من فترة كانت العلمانية فيها عرضة لهذا الكم من العداء والهجوم غير المقنع وغير المبرر، كما هي الحال اليوم.
وليس غريباً أن يكون الفكر العلماني التنويري عرضة للهجوم من غلاة الإسلاميين المتطرفين. الغريب أن أشد المعادين للعلمانية في الفترة الأخيرة، هم من المرتدين عن الفكر التنويري عموماً، والذين يتسابقون للهجرة إلى مواقع الفكر الأصولي الإسلامي، بشقيه المتطرف، والإصلاحي. وأفضل سلاح يتسلح به مناهضو العلمانية هو تعريفها بما ليس فيها، ثم مهاجمتها من خلال التعريف الذي منحوه هم لها. وهذه التعريفات تتراوح بين الخلط المقصود بين العلمانية، والإلحاد، والتمييز القسري، بين "علمانية راديكالية متطرفة" وعلمانية "إنسانية" لا تحتوي من فكرة العلمانية إلا اسمها، أما المضمون فهو فكر ديني منغلق. ومن هنا، فالحديث عن أولويات العلمانية أمر يكتسب مشروعية وضرورة في وقت معاً. ولن أدخل في تعريف للعلمانية في سطر، كما لن أدخل في لعبة تعلم العلمانية في خمسة أيام بدون معلم، لأن أية فكرة هي أكثر تعقيداً من تطبيقاتها، وأوسع من أي محاولة لتعريفها. بدلاً من ذلك، سوف أقوم بالتمهيد للحديث حول هذه الفكرة، التي يزداد أعداؤها يوماً بعد يوم، بسبب الجهل بها. تعني العلمانية، بالنسبة لي ولكثيرين أشاطرهم الرأي، حيادية الدولة. فالعلمانية تفترض، وتؤدي إلى ألا تكون الدولة ملكاً لفئة من البشر الموجودين على أرضها. على الضد، تفترض العلمانية أن تكون الدولة ملكاً لمجموع الشعب، من دون أدنى تمييز بين الأفراد، من ناحية الجنس، واللون، والعرق، والدين، والطائفة، والمذهب. والدولة العلمانية، بحيادها، هي ليست دولة لا- دينية، تماماً كما أنها ليست دولة دينية.إنها إدارة محايدة لمؤسسات مختلفة، وغنية، ونوعيه، ينبغي أن تتم إدارتها بشكل يضمن ألا تطغى فئة، مهما كان حجمها ولونها، ودينها، على هذه المؤسسات. ولكن هذا الحياد يضمن بالمقابل حرية العقيدة، للفئات الكبيرة، وأيضاً للفئات الصغيرة.

أنفاس الوعي القائم على النفعية في استغلال المفاهيم البشرية لتحقيق مصالح ومكاسب سلطوية ينخرط بالضرورة في مستوى المجابهة المباشرة مع منافسيه في المكاسب نفسها فتبقى الأزمات والمتغيرات جارية بنفس الإطار المنهجي لبرنامج تطبيق الوعي البشري ,فالصدام التاريخي يظل قائماً في هذا العالم حتى تتغير طريقة تعاملنا معه والأفكار التاريخية العملاقة والنظرية لغاية إحداث بنية مغايرة لطبيعة الوجود القائم في مجراه التاريخي , يُصاغ بطريقة مغايرة لمضمونه الحقيقي وإلا لما وصالت إليه النظريات إلى هذه الدرجة من الإهمال والتلاعب بمضمونها الفكري وكأن العقل البشري يرفض التعامل مع القضايا التي تنقذه من إرباكه التاريخي فيقوم على تغيير بنية المفاهيم بما يتوافق مع المسير التصادمي في الحياة الإنسانية .
فالديمقراطية كمفهوم عقلي ونهج عملي للوصول إلى مستوى راقي في العلاقات بين البشر والدول , استغلها العقل البشري بما يخالف مضامينها الجوهرية , فالدلائل المتوفرة عن الممارسات الديمقراطية وطبيعة تمثلها في بنية العالم تتخذ مسارات درامية في غاية التنوع وقد تكون مسلية لمن يهوى المشاهد المسرحية .
فالنظام العالمي الجديد وما يحتويه من بنى اجتماعية  وأنظمة فكرية وسياسية متنوعة يمكن أن توضحها المشاهد الديمقراطية في الطبيعة الجغرافية للدول .
فالديمقراطية في البنية العالمية تظهر للوجود بالتعددية المتنوعة للأنظمة المختلفة والمتعايشة في بنية دولية واحدة ممثلة في الهيئة العالمية للأمم المتحدة كتمثيل جامع لأنظمة متنوعة الوجود والأسلوب في طريقة الحكم وقيادة السلطة السياسية .
فالبناء الديمقراطي العالمي يحتوي خليطا غير متجانس من الأنظمة تعبر عن نفسها بحرية الوجود الديمقراطي في التعامل مع الطبيعة السياسية الداخلية لنظامها الخاص ,فنشاهد الحكم الديني الملكي وحكم الإمارة الملكي المرتبط بالدين وحكم السلطنة الديني والحكم الجمهوري الديني والحكم القومي بسياسة القائد الفرد والحزب الجمهوري بسياسة الحزب الواحد والحكم الجمهوري بسياسة تبادل الحزبين وحكم ملكي بسياسة حزبين , حكومات وسياسات متنوعة مختلفة التباين في النظام العالمي على المساحة الكاملة للجغرافية البشرية يمكن أن نعبر عنها بالديمقراطية العالمية في طريقة التعاطي مع الطبيعة السياسية للدول مفرزات وإفرازات سياسية متنوعة متواجدة بحكم الديمقراطية وهل يعني أن هذه هي الديمقراطية أم المفاهيم الديمقراطية متنوعة التنفيذ والحرية في بناء الأنظمة المختلفة وهل يمثل التعاطي مع الحرية كنهج للقيادة السياسية على المسرح العالمي أم الفصل بينهما ضرورة حتمية .

أنفاسعمال الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 يستقبلون الأول من أيار هذا العام بالمرارة والاحباط والغضب في ضوء الظروف المعيشية القاسية ، التي يواجهونها . فمن جهة يواجه هؤلاء العمال عمليات قمع واهانات يومية وعمليات مداهمة واعتقال من قوات الاحتلال واعمال استغلال بشعة للعاملين منهم في المشاريع الاسرائيلية ، الصناعية والزراعية والخدماتية ، التي أقامها المستوطنون على الاراضي الفلسطينية في المستوطنات ، ومن جهة اخرى يقفون في مواجهة البطالة والفقر والتهميش ، يتطلعون نحو الحكومة الفلسطينية عسى ان تضعهم على جدول أعمالها للبحث عن حلول وطنية تخفف من معاناتهم وترفع عنهم ولو بقدر معقول وضمن ما تتيحه الموارد المالية المتاحة وما تتيحه الظروف التي يمر بها الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص الفلسطيني كابوس ظلم لم يعد يحتمل وشروط عمل هي اقرب الى السخرة منها الى علاقات عمل وتعاقد تنطوي بالضرورة ،كما هو الحال في النظم الرأسمالية ، على الاستغلال والاستحواذ على فائض القيمة في ما ينتجون .
على مستوى العلاقة مع الاحتلال يعيش عمالنا في ظل اضطهاد مركب الابعاد . فالاحتلال بحد ذاته يعني الخضوع لارادة المحتل وللآليات ، التي تمكنه من ادامة سيطرته بالقوة على المجموع الوطني بما فيه الطبقة العاملة ، التي تتحمل اكثر من غيرها الاثار المترتبة على سياسة الاحتلال . ذلك لا يعني ان الفئات الاجتماعية الوطنية لا تتحمل هي الاخرى اعباء هذه السياسة وانعكاساتها ، بقدر ما يعني ان القسط الاوفر من المعاناة يقع على كاهل العمال ، وخير الشواهد على ذلك اعداد الشهداء والجرحى والمعاقين والاسرى في معسكرات الاعتقال الجماعية الاسرائيلية . سياسة الحصار والاغلاق والخنق الاقتصادي ونشر الحواجز العسكرية في طول الضفة الغربية وعرضها ، بعد الانسحاب العسكري الاسرائيلي من الارض في قطاع غزه ، تنعكس بأثار قاسية على المجموع الوطني ، ولكنها بالنسبة للعمال الفلسطينيين تعني كذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور مستوى المعيشة . حتى سياسة الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين ، التي مارسها ارئيل شارون في أيول من العام 2005 انطوت على مؤشرات خطيرة على هذا الصعيد ، ففي سياق ممارسة هذه السياسة كانت حكومة اسرائيل تخطط ، كما هو واضح ، للانفصال عن العمالة الفلسطنية في المشاريع الاسرائيلية داخل اسرائيل . يكفي للوقوف على هذه الحقيقة متابعة ما يجري في "مؤتمر هرتسيليا " حول " ميزان المناعة والامن القومي الاسرائيلي " ، وهو مؤتمر على درجة عالية من الاهمية ينعقد سنوياً في اسرائيل ويشارك في اعماله مستويات رفيعة من القيادات السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية وعشرات المفكرين والاكاديميين والباحثين . بعد خطة الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين لم يعد ممكناً عودة عشرات الاف العمال الفلسطينيين لممارسة العمل في المشاريع الاسرائيلية ، وهم الذين كانوا يسهمون بحصة لا بأس بها في الناتج القومي الاجمالي ويسهمون كذلك في تنشيط دوران عجلة الاقتصاد الفلسطيني . خطورة هذه السياسة الاسرائيلية ، اي سياسة احلال العمالة الفلسطينية ، انها جاءت في سياق سياسة عامة مارسها الاحتلال وربط من خلالها عجلة الاقتصاد الفلسطيني والاسواق الفلسطينية بالاقتصاد الاسرائيلي والاسواق الاسرائيلية .