كثر الجدل قديما وحديثا حول إشكالية الدين والدولة دون حسم أو قطع، خصوصا فى العالمين العربى والإسلامى. ويرجع ذلك فى المحل الأول - إلى أسباب سوسيو - سياسية، مفادها استمرار الخلل فى البنية الاجتماعية، الذى يرجع بدوره إلى عدم الحسم فى الأساس الاقتصادى بين أنماط الإنتاج، وما ترتب عليه من أبنية علوية عكست بدورها آفة التخليط الفكرى والثقافى، ومن ثم الاختلاف الايديولوجى.
ففى أوربا - على سبيل المثال - أفضى حسم الصراع بين البورجوازية والإقطاع إلى الفصل القاطع بين الدين والسياسة، فكان ظهور الدولة المدنية المؤسسة على قاعدة العقد الاجتماعى، فما لقيصر ليقصر وما لله لله.
أما العالم الإسلامى، فقد شهد - خلال مسيرته الطويلة تاريخيا - صراعا مائعا بين البورجوازية والإقطاع أفضى عدم حسمه إلى تخليط وتعايش بين أنماط إنتاج متناقضة وهزيلة، بما أسفر عن تكوين أنماط سياسية هشة ذات إيدلوجيات مضببة وهجينة.
بديهى - والأمر كذلك - أن يستمر الجدل حول مفهوم الدولة صاخبا وملتبسا. بديهى أيضا أن يعلو صوت الإيدولوجيا الدينية التى تروم إحياء الدولة الثيوقراطية دونما فهم أولى عقلانى عن العلاقة بين الدين والسياسة. ومن المعلوم المسلم به أن غلبة اللجاج اللاهوتى يعكس حقيقة التطور اللامتكافئ للواقع السوسيو - سياسى الذى لم يشهد - للآن - ثورة رأسمالية تنجز حركة إصلاح دينى تفصل بين الدين والدولة. ويرجع ذلك إلى عجز وشلل البورجوازية فى المجتمعات الإسلامية إلى حد حكم كلود كاهن بأنها مجتمعات بلابورجوازية أصلا.
إن فهما حقيقيا لجوهر الدين يعزله تماما عن السياسة، تستوى فى ذلك الديانات السماوية الثلاث. صحيح أن دولة إسرائيل استثمرت الدوجما اليهودية لخدمة تأسيسها. لكن العقيدة اليهودية بحق تعتبر الحركة الصهيونية منافية لها بل يرى قطاع عريض من أحبار اليهود المعاصرين أن قيام دولة إسرائيل محض كفر بالموسوية.
أما المسيحية، فلا تقيم وزنا للحياة الدنيوية برمتها، باعتبارها مؤسسة على الخطيئة يقول السيد المسيح: مملكتى ليست فى هذا العالم، ويصم القديس أوغسطين مدينة الأرض بأنها مملكة الشر. وإذا استثمرت الكنيسة فى روما وبيزنطة، اللاهوت لخدمة الناسوت، فقد كان ذلك يمثل خروجا على تعاليم المسيحية، مالبث أن جرى تصحيحه بحركة الإصلاح البروتستانتى التى كانت مظهرا من مظاهر انتصار الطبقة البورجوازية فى صراعها المرير مع الفيودالية.