anfasse110106كَثِيـرٌ فِي الفَجِيعَةِ مَـــا نَرَاهُ
وَقَدْ بَلـَغَ التَّوَحُّشُ مُنْتَهَـــــاهُ
فَلاَ الإِنْسَـانُ إِنْسَــــانٌ بِحَقٍّ
وَلاَ التَّمْدِينُ يَفْعَلُ مَـا ادَّعَاهُ
د. جعفر ماجد

فيما يقول العالم الشهير ألبرت "أنشتاين": «الشيئان اللذان ليس لهما حدود، هما الكون وغباء الإنسان(...)»، فإنّ "جيمس لويل" يقول :«الأغبياء والموتى وحدهم الذين لا يغيرون رأيهم». تفاعلا مع هاتين المقولتين، وحتّى لا أكون غبيّا بلا حدود لا يستطيع تغيير رأيه، فإنّي أصرّح  بصوت عال و أعترف في غير ما تواضع مزيّف ولا أدّعاء لبطولة دونكيشوتيّة ولّى زمانها، أنّي لم أكن على صواب، قبل اندلاع الثورات العربيّة ''المنتكسة''-بفعل الثورات المضادة بقيادة العسكر والدولة العميقة- عندما كنت أفضّل  وأنحاز، لنظريّة "الحالة الطبيعيّة" السابقة لظهور "الحالة المدنيّة" ولمفهوم الدولة المدنيّة التي نظّر لها "جون لوك" في نهاية القرن السابع عشر، على حساب ذات النظريّة ضمن سياق تحديد مفهوم مدنيّة الدولة التي نظّر لها قبل ذلك "توماس هوبز" اعتمادا على خصائص الطبيعة البشريّة  لا على تعاليم الكنسية المهيمنة آنذاك. وعذري في ذلك، إنّما كان إعتبار هوبز أنّ الإنسان- والمجتمع عموما- في الحالة الطبيعيّة التي تفتقر تماما في رأيه إلى القواعد والضوابط وتترجمها العلاقات البشريّة في غياب الدولة، يتصرّف، لضمان ديمومته، وفق قانون حفظ البقاء.

anfasse110111كل الدول وكل الأمم تتقدم بثقافتها وفكرها، تساهم في العالمية بما جاد به فلاسفتها وعلماؤها ومفكروها، قبل سياسييها ورجال دبلوماسيتها، لهذا فإن كل أمر للنجاح مشروط سلفا بالانطلاق من الثقافة ليس كترف غالبا ما يتذيَّلُ قائمة رغباتنا، وإنما كسلاح للوقوف عند نقط ضعفنا، عند حاجياتنا، وعند أسباب جمودنا، الثقافة ثقافتان، ثقافة تضرب في جذور الماضي من خلال مجموع الأنشطة المعتمدة من طرف الأفراد، والمتعلقة بنمط عيشهم من مأكل وملبس وأعراف ومعمار وهي التي يمكن أن نطلق عليها اسم: الثقافة الاعتباطية، أما على جانب آخر فيمكننا الحديث على الثقافة الثانية وهي الموسومة بالثقافة العالِمة أو الثقافة المعرفية، والمحددة بالتدقيق في مظاهر جمة من قبيل البحث العلمي، والتربية والتكوين، إضافة إلى الصناعة الفنية والإبداعية بشتى أنواعها، لهذا فكل خلط بين الثقافتين هو بمثابة تغريد خارج السرب.
    لكل أمة اليوم ثقافتها الخاصة التي تعمل على تكريسها لناشئتها المحلية، كما تعمل أيضا على تصديرها إلى باقي الأمم، والثقافة هي الأخرى تحتكم بشكل أو بشكل آخر لمنطق الطبيعة الأول، حيث الثقافة القوية تأكل الثقافة الضعيفة، بل إن العالم اليوم بات يعيش حرب الثقافات فيما بين الدول، لدرجة حديثنا على الاستعمار الثقافي أو قل على الاستلاب الثقافي، قد يحدث ذلك باسم العولمة، كما قد يحدث باسم الغزو الثقافي من خلال فكرة الإغراء، لكن الهدف واحد يكمن في انقضاض كل ثقافة على الثقافة الأخرى.
 

anfasse04097لقد شكل 20 فبراير استثناء في تاريخ المغرب الحديث ، فبعد المخاض الذي عاشه المغرب وأزمة التحديث السياسي التي ظل المغرب يتخبط فيها مند الاستقلال الشكلي في 1956 مع خروج فرنسا بعدما تم تفويت السلطة من يد فرنسا إلى القصر ، طرحت مسألة التحديث على كافة الأصعدة غير أن المحافظة على الإرث السلطوي السلطاني في المغرب دفع بالمسؤولين إلى كبح  جماح المواطن المغربي الطامح إلى معانقة الحرية و الإنعتاق من ظلال الاستعمار و تنفس روح الحرية مع مغرب جديد في منظومة عالمية جديدة ، لكن المحافظة على الإرث القديم و الخوف من الانفتاح على المنظومة السياسية العالمية ،دفعت بالمسؤولين _ أصحاب القرار و النفوذ _  إلى كبح جماح المواطن و سد تطلعاته نحو الحرية فخرج من نير الاستعمار المباشر إلى ضلال أعيد معها القمع و القهر و الاستعباد المكرس سابقا من طرف سلطات الحماية ، حتى تم إعادة تكريس جميع أشكال القمع في حق الحركات الاحتجاجية الاجتماعية ، السياسية  ... الداعية إلى التحديث على كافة المستويات ، فوجهت بالقمع أو النفي أو السجن أو الاغتيال ، لتتم إعادة بنية المجتمع المغربي إلى ما كان عليه في السابق ، بل وأكثر من ذلك الشيء الذي أثر بشكل مباشر على سؤال الهوية للمغربي في ظل منظومة عالمية حداثوية فأصبح من الصعب جدا تصنيف المجتمع المغربي في سلم الحداثة ؟

anfasse26087الانتخابات في المجتمعات المتشبعة بالديمقراطية هي مجرد عمليات اجرائية لإشراك المواطنين عبر ممثليهم في رسم السياسات العمومية سواء المركزية او المحلية . فالديمقراطية مفهوم اوسع واعقد من مجرد اغلبية عددية انطلاقا من صندوق انتخابي ، فهي ثقافة وسلوك وقيم ، نواتها الاساسية هي " حق الفرد المواطن في امتلاك مصيره واختيار حاكميه وواجبه في قبول الآخر المختلف  "، مما يتطلب وجود بنيات تحتية ثقافية وسياسية لبروز الفرد المواطن المتمتع بحرياته الفردية وحقوقه الكفيلة بجعل اختياره حرا دون وصاية او قهر .والاختيار بدون تقييمه يصبح بلا معنى ، فالاختيار يرتبط ارتباطا وجوديا بالمحاسبة والمسؤولية والتي يحددها عقد الاتفاق الذي على اساسه تم هذا الاختيار. كما أن الديمقراطية بدون ثقافة الاختلاف و قبول ال"آخر" المختلف تتحول إلى أداة لقهر الاقليات وعدم إعطائهم فرصة لتحويلهم إلى اغلبية.

anfasse26085  "أفضل من لا شيء" جملة نرددها في كل المناسبات آنيا مادام الأفضل لم يأت بعد و ربما لن يأتي. لذلك، فلا خيار أمامنا سوى التحاف ما يقدم لنا بوصفه كساء عزاء يعانق الموت الحريري في زمن يخونه اللازمن، و يستلب فيه صمت البيئة المحرومة دهشة اختراق الفرح لحظة الٳعلان عن ضرورة الأفضل. ٳننا نعيش حلقات أعظم درامية ممسرحة تعتذر عن جحيمها الآني بوعود البحث عن حلم الأفضل و عن القوى الخفية القابضة عليه. فنحن في سنوات المرحلة الانتقالية؛ مرحلة التكاذب التي تستلهم من زلزلة روح الأفضل سحر الٳحساس بأننا نعيش حياة طبيعية٬ و بتعبير أدق٬ نتخيل حياتنا  - حياة طبيعية – تخيلا حسيا فيحضر الأمر و نقيضه بشكل يختلط فيه الحلم و الخيالي و المستحيل بالواقعي. هذه الحالة تجعلنا نتخيل أن لدينا تعليما يعلم٬ ومنظومة صحة تعالج٬ و جهاز عدالة ينصف... بينما الأسوء هو رضانا بمؤسسة التعليم التي لا تعلم٬ و بمؤسسة الصحة التي لا تداوي٬ و بمؤسسة العدالة التي تظلم... بل الأبشع من هذا و ذاك هو عدم القدرة على استشعار الأفضل و العجز عن تشخيصه و كأننا حرمنا من الشروط الضرورية التي تسمح لنا بتفعيل قدراتنا الفطرية.

anfasse0108 تلعب الصحافة دورا مهما في أي تجربة ديمقراطية ، فهي تساهم في تشكيل الوعي الجمعي وخلق الرأي عام . ولدورها الهام هذا كانت تتعرض لمختلف التجاذبات للسيطرة عليها و إستغلالها لخدمة فئات معينة ضد أخرى . كل سلطة إستبدادية هي بالضرورة عدوة لكل صحافة حرة مستقلة ، فهذه الاخيرة ،أرادت او لم ترد، هي سلطة مضادة تعريفا .مادة الصحافة الحرة هي الثقافة اليومية للمواطنين وجرعتهم ضد الآثار الجانبية للسلطة، فهي تقتات على مشاكلهم اليومية و تتبع أخبارهم ،و تفضح لصوصهم وفساد سياسييهم،وتعطيهم "كبسولات" ثقافية تسنفز إستبداد بداهاتهم ...
الصحافة في البلدان المتقدمة و نتيجة لما راكمته من مهنية ، وفي ظل مجتمعات مفتوحة متصالحة مع نفسها ،تتميز بقوة تاثيرها في صنع الاحداث و هاجس كابوسي لكل سلطة بما تمثله من رقابة اجتماعية على الفاعلين في المجتمع . وهذا مايجعلها رقما مهما في اللعبة الديمقراطية و في صراع السلط.أما الصحافة في المجتمعات المتخلفة ، هي بالمناسبة شبه - صحافة أكثر منها صحافة، فلقد جاءت ، كماعبر عن ذلك القصيمي: " بدون اخلاقها و مواهبها العقلية ،كما جاءت ادوات الحضارة الاخرى... لقد جاءت الشعارات الحضارية كالديمقراطية و الحرية ...بدون ان تكون في وعينا او ثقافتنا او اخلاقنا او مزاجنا النفسي، فصرنا لابسي حضارة لامتحضرين ، وكذلك وجدت عندنا صحافة لاصحفيون "( هكذا تكلم القصيمي).حيث تتميز اغلب الصحافة في البلدان المتخلفة ، بإفتقارها للمهنية وللجرأة و للاخلاق الصحفية .

" أحكام الإنسان المتخلف على الظواهر والأشخاص يشوبها الكثير من التحيز والقطيعة، إنها أحكام متسرعة ونهائية تصنف الظواهر والناس في فئات جامدة."
ــ مصطفى حجازي ــ
" كلما استطعنا أن ندخل الصيغ العلمية في لغتنا وإلى مجتمعنا، استطعنا أن نؤثر على الذهن في مجتمعنا، ونوجهه نحو إدراك علمي للواقع."
ــ مصطفى حجازي ــ
" إن جميع أنماط المعتقدات والأفكار التي تكون من أجل غرض اجتماعي، سواء كان هذا الغرض هو المعتقدات الدينية أو المذاهب السياسية أو الاقتصادية، إنما هي إيديولوجيات لا غير ..."
ــ هيوج اتكن ــ

    السياسة جاحدة بكل شيء، مصلحتها ليست تكمن في حفظ ودوام الجميع، بقدر ما أن غرضها هو ضمان بقائها على حساب الجميع، من ثمة فإن كل خطاب سياسي باسم مصلحة الجماعة ما هو إلا قناع يخفي وراءه الاستمرار، لأن السياسة تخاف كثيرا من الاضمحلال، أي أن نقطة ضعفها هي غريزة البقاء على غرار كل الكائنات الحية، وعليه فإن السياسة مثلا عندما تعمل على الحد من العنف فإن هذا الفعل، ليس حبا في الذين يعنفون بقدر ما هو كسرٌ لشوكة الذي يعنف، إذ عندما سينتهي من الأول سيتطلع إلى الثاني، كي يصنع لنفسه سياسته المهيمنة والخاصة، وهكذا دواليك، على العموم التاريخ يتقدم وفق هذا النمط ووفق هاته السيرورة، لهذا اعتبرت العرب في غابر الأزمان أن "السلطان عقيم" أي أنه لا يؤمن بابن ولا بحفيد ولا بقريب دموي، الكل ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض، والحال أن التاريخ يخبرنا بذلك.

anfasse10075عرف المغرب  مجموعة من الاحداث مؤخرا ، تعتبر تهديدا حقيقيا للحقوق والحريات الفردية، حيث توالت لوحات المحافظة والفصام   و التي تتمثل في طرح مسودة للقانوني الجنائي ، و منع فيلم نبيل عيوش و محاكمته مع احدى بطلات افلامه ،و محاكمة فتاتين بادعاء ان لباسهما يخدش الحياء ، وانتشار فيديوهات في الانترنيت لسلفيين يلعبون دور شرطة النهي عن المنكر و الحث عن المعروف ، وسيادة خطاب محافظ في اللغة الثقافية والسياسية. يحدث هذا ، في ظل حكومة حزب اغلبي اصولي،  والذي  جعل من الخطاب الاخلاقوي  السطحي المشوه راسمالا رمزيا يبيعه في سوق  الانتخابات الشكلية، ويعتمد في ايديولوجيته على تأويل متخلف للدين مستند على مرجعية اخوانية وهابية . كما ان هذه الاحداث تاتي في سياق صعود تيارات داعشية فقدت كل عقلانية في ممارستها و فكرها ، و اصبحت متخصصة في ابداع ابشع صور التوحش والتخلف و البربرية . مما يجعل احتمال تطور الامور الى منحى اكثر محافظة وتطرفا ، خاصة في ظل هيمنة ثقافة اصولية في المجتمع ، و غياب مشاريع ديمقراطية حداثية حقيقية بديلة ، و توظيف الدولة للشرعية الدينية  والذي يجعلها اكثر ارتباكا في مواجهة هذه الاحداث ، و استعدادها  للتنافس مع الاصوليين في هذا الحقل عبر استغلال الدين للحفاظ على مصالح الفئات الحاكمة .