anfasse21097ان محنة العقل العربي ,او بصورة اكثر تحديدا محنة العقلانية العربية, التي تواصلت عبر حقب التاريخ المتتالية منذ العصر الوسيط وحتى يومنا هذا هي من وجهة نظرنا السبب الرئيس في تخلف مجتمعاتناعن ركب التطور العالمي .وهي في الوقت نفسه تتماهى وجذر الخلل العميق الذي حال وما يزال يحول دون أن تتجاوز هذه المجتمعات أزماتها الشاملة التي تطال كل جوانب حياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية .ولنذكر هنا مثالا واحدا لتلك الإشكاليات التي ظلت تعرقل مسار التطور الطبيعي في بلداننا وهو الموقف من التراث وكيفية التعامل معه كي يكون حافزا لا كابحا لتقدم مجتمعاتنا وهي  تتطلع لامتلاك كل المقومات الذاتية التي تؤهلها للسير في ركب الحضارة الانسانية المعاصرة. أليست هذه واحدة من المعضلات التي استمر دورها المعطل وتأثيراتها السلبية نتيجة غياب التعامل الصحيح معها بسبب ضمور العقلانية في الوعي السياسي العربي.

قد يتصور البعض منا أننا نتقصد في حديثنا هذا تناول مسائل نظرية لا علاقة لها بالواقع المعاش حيث مجتمعاتنا وخاصة في الدول التي شهدت انتفاضات الربيع العربي تواجه تحديات مصيرية وجودية.نعم ان تلك التحديات التي تواجه معظم دولنا ليست من طبيعة تلك التحديات الناشئة عن ازمات أو مشاكل تعترض عملية التطور والتنمية الإنسانية المستدامة لكنها ازمات تتعلق  بالحاضر والمستقبل وتستهدف المصير الوطني من أساسه. فمنذ سنوات أربع انطلقت انتفاضات الربيع العربي التي توحدت في أهدافها العامة التي جسدت ارادة الشعوب العربية وتصميمها على تحقيق أهدافها المشروعة في الديمقراطية والكرامة والتقدم.غير أن النتائج التي تحققت حتى الآن لم تكن تتوافق مع تلك الأهداف ولم تتناسب مع التضحيات الجسام التي قدمت في سبيلها.أين الخلل اذن ومن المسؤول عن تعثر تلك الانتفاضات التي كان المأمول فيها أن تكون مشروع ثورات تحررية   شاملة قادرة على بلوغ غاياتها واستكمال صيرورتها في تحقيق الإنتقال الديمقراطي وبناء المستقبل المنشود؟

anfasse21095أثناء الحرب الباردة، حين كان العالم ينقسم إلى معسكرين متناقضين في الأيديولوجيا وأنماط الحياة، دأبت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض دول غرب أوروبا على رصد ميزانيات ضخمة للتأثير على الرأي العام في دول الاتحاد السوفيتي السابق ودول المعسكر الاشتراكي في شرق أوروبا، بهدف اختراق في البنية الثقافية والاجتماعية لإحداث تغيير في البنية السياسية وأشكال الحكم في تلك الدول، واستعانت الولايات المتحدة لأجل ذلك بالأقمار الصناعية وكل أشكال التجسس ، وكذلك وظفت عشرات الأقنية التلفزيونية والمحطات الإذاعية التي كانت تبث برامج حصرية لشعوب الدول الاشتراكية، تظهر شكل الحياة الديمقراطية المبهج في الغرب.
وظلت هذه السياسة قائمة لاتتغير مع تغير أحد الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة، كإجراء ثابت في سياسة أمريكا الخارجية، بل على العكس فقد توسعت وتطورت اشكال تدخل الولايات المتحدة في العالم، فقد ابتدع الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان في بداية ثمانينيات القرن الماضي ما سمي مشروع بناء البنية التحتية للديمقراطية  في الدول النامية،واعتبر حينها نمط جديد في محاولة هيمنة أمريكا على العالم .

anfasse21093منذ ما يربو على خمسة قرون، و بالضبط مع صعود الدولة السعدية، ونحن نقرأ في الكتابات التاريخية والرسائل الإدارية مصطلح "المخزن"، ورغم سقوط الدولة السعدية وبروز الدولة العلوية ومرور عشرات الحكام على دفة الحكم مازالت كلمة مخزن تتردد بقوة، إنه الثابت في كل الأنظمة السياسية المغربية.  يطالب المناضل ب"إسقاط المخزن" ويقارب الباحث "مفهوم المخزن" ويحذر المواطن من "المخزن". يقول المثل المغربي "احذر من ثلاثة أشياء: النار والبحر والمخزن". وإلى جانب مفهوم المخزن نجد مفهوم "النظام السياسي المغربي"  ومفهوم "الدولة المغربية". لكن جل هذه المفاهيم تفرض مجموعة من الصعوبات في تحديدها على المستوى النظري وكذا في إبراز آليات اشتغالها على المستوى العملي.

ومن بين المفاهيم الأخرى الملتبسة مفهوم "الشرعية" légalité ، حيث إنه يلتبس مع مفهوم آخر هو "المشروعية" légitimitéو أيضا مع مفهوم "الشرعنةlégitimation؛ويثير التساؤل حول شرعية شيء ما الفزع عند المتسائل حوله، فعندما تتساءل حول شرعية الحاكم فإنك تشكك في كونه مغتصبا للسلطة بالقهر، وعليه فاتهامك يبقى كذلك حتى تثبته بالحجة والدليل.

anfasse07089تؤكد لنا حركة التاريخ، أنه لا يمكن لنا النظر إلى مشاهد التحولات السياسية التي تطرأ على أي مجتمع من المجتمعات، بمعزل عن التحولات الاجتماعية_المعرفية التي تحدث بداخلها، فالثورة البلشفية _على سبيل المثال لا الحصر_ لم تكن لتنجح في سياق الواقع لو لم يؤسس لها كل من "ديستويفسكي" و"بوشين"، كما هو حال الثورة الفرنسية التي جاءت انعكاساً لأقلام كل من "فولتير" و"مونتسكيو" و"جان جاك روسو"، كما ينسحب ذلك على مجمل التحول التطوري الذي طرأ على أوروبا منذ الثورة الصناعية إلى اليوم، وهذا إن كان يدلل على شيء، فهو يدلل على أن التحول الاجتماعي_المعرفي، يغدو لزاماً بل شرطاً لكل تحول سياسي، يشكله، وينتجه، ويشير إليه، وهذا يذكرنا بمفهوم "الحرية" في فلسفة "كانت"، كما هو مفهوم "الثورة" في فلسفة "هيجل"، أي أن كليهما مجاله الفكر، وما أن يصطدما بالواقع، حتى يحكمهما عالم الضرورة..
 من جانب آخر، وبرؤية معاكسة، ومن خلال عرض الاجتماعي على ضوء مشهد الصراع السياسي، نقف أمام واقع مجتمعنا العربي، ونتأمل، فنجد أنه ثمة إرثا ثقافيا ساهم في فرز وعي مؤطر وجامد، لا يزال يعيد إنتاج ذات مشهد الخنوع والرضوخ السياسي العربي، وذلك منذ القرن الثامن الهجري تقريباً، مروراً بما فعله المغول والتتار، والعثمانيون، ثم الاستعمار الغربي، والصهيونية العالمية، انتهاء بما نعيشه اليوم من أحداث ما يسمّى "ثورات الربيع العربي" التي لعبت دور حصان طروادة، وذلك بما حملته من ملفات العدوان والتآمر الغربي على وطننا العربي..

anfasse09080لوضع حد للنزاع الإقليمي، ورداً على دعوات إيجاد حل لأزمة الصحراء، قدّم المغرب مقترحا للأمين العام للأمم المتحدة حول المبادرة بالتفاوض  بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، وذلك بتاريخ 11 أبريل 2007.
دعت الأمم المتحدة كلا الطرفين للتعاون لإنجاح المقترح، لكن البوليساريو رفضت المشروع على اعتبار أنها الممثل الوحيد لساكنة الأقاليم الصحراوية مشيرةً إلى أن قضية الصحراء ـ من جهتها ـ هي قضية تصفية استعمار ينبغي حلها على أساس تمكين شعب الصحراء من حقه الشرعي في تقرير المصير عن طريق الاستفتاء. الأمر الذي عطل من وتيرة إيجاد حل للنزاع مسببا ركودا وفشلا على مستوى التفاوض. الجزائر من جهتها كذلك طالبت الأمم المتحدة بالتدخل لإنهاء الاستعمار وتمكين الصحروايين من حقهم في تقرير المصير ـ كتبني للطرح البوليساري.
وقد أكد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على «مصداقية وجدية المقترح المغربي» لحكم ذاتي موسع للصحراء الغربية، تحتفظ فيه الدولة المغربية "باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي :

anfasse09079لوضع حد لمناوشات البوليساريو ـ التي اتبعت سياسة حرب العصابات ـ بالحدود الصحرواية لفرض الذات ككيان سياسي له حق في إدارة الأقاليم الصحرواية ما خلق شوشرة بالمنطقة، تم بناء جدار دفاعي عازل من طرف المغرب لوقف التأثير السلبي من جهة الجبهة المدعومة من طرف الجارة الجزائرية ـ بهدف ـ زعزعة الاستقرار القائم بالمنطقة الأمر الذي يلمس الأمن الداخلي للمغرب، وهو المسعى السيكولوجي للجزائر منذ حرب الرمال، وسنرى العوامل النفسية الدفينة وراء ذلك.

وكرد فعل من جهة المغرب على التصعيد العسكري الذي اتخذته الأطراف في النزاع ـ البوليساريو في الواجهة والجزائر خلفيا بالدعم ـ تقرر إنشاء الجدار العازل لحماية المنطقة وأمن الأقاليم. ف" بناء جدار الصحراء يعتبر أهم قرار عسكري اتخذه المغرب في هذا الملف. وبدأ المغرب بتشييد هذا الجدار الرملي سنة 1980 عبر مجموعة من المراحل، وانتهى منه سنة 1987، وبعد بناء 2200 كيلومتر من هذا الجدار، تغيرت إستراتيجية الصراع على الصحراء لصالح الجانب المغربي"(1).

anfasse09073قد كان لي وطنٌ أبكي لـ نكبته ... واليوم لا وطنٌ عندي ولا سكنُ
ولا أرى في بلادٍ كنت أسكُنها .... إلا حُثالة ناس قاءها الزمنُ" .
معروف الرصافي ( 1875م - 1945م)
ليس هناك في بلاد العرب "إلا حُثالة ناس قاءها الزمنُ"، هكذا قال  معروف الرصافي شاعر العراق وكلّ العرب منذ أكثر من سبعة عقود من الزمن، في رؤية استتشرافية شديدة الوضوح، تحاكي وتتماهى مع واقع العرب اليوم ولا سيّما منهم السياسيين على وجه  التحديد والتخصيص . حيث أنّه باستغباء واستخفاف مفضوح بذكاء الشعوب العربية،  وفي محاولة بائسة ويائسة لاستبلاهها، يدّعي الكثير من السياسيين العرب أنّهم ابتلوا بالمغالاة في حبّ الوطن منذ نعومة أظفارهم بما يجعل هذا الحبّ يسري في عروقهم كمكوّن أساس  لدمائهم "الملوّثة بفيروس الفساد والخيانة". فيما هم في حقيقة الأمر والواقع، قد ابتلوا بالمغالاة  في حبّ ذواتهم على حساب الوطن الذي نكب، بالتأكيد،  وابتلى بوجودهم أيّما نكبة وابتلاء . فهؤلاء السياسيون"محترفو التجارة بالوطنيّة " إنّما ابتلوا بالمغالاة "بكفاءة واقتدار"،  في نهب الوطن كلّ حسب ما تيسّر له وما استطاع إلى النهب سبيلا. لذلك فالوطن العربي كان ولا يزال وسيظلّ على الأرجح، واقعا بين مطرقة نهب ساسته، محترفي الدجل والنصب من أبنائه "الوطنيين " المغالين في حبّ نهبه لا في حبّه كما يزعمون، وسندان الأطماع والديون الخارجيّة التي ستؤدّي به إلى إستجلاب المستعمر المتربّص به على الدّوام بمساعدة هؤلاء المغالين في حبّ الوطن إلى حدّ خيانته والتآمر عليه وفق مقولة "ما زاد على الحدّ إنقلب إلى الضدّ".  

anfassa01079مع بداية عقد السبعينيات، شهدت منطقة الصحراء نزاعا مصعدا بين المستعمر الإسباني من جهة، والأطراف المطالبة بأحقية السيادة على المنطقة من جهة أخرى : متمثلة في دولة المغرب وموريتانيا والجزائر، هذه الأخيرة فقط كداعم لحق الشعوب في الدفاع عن استقلالها وتحرير أراضيها. فاستمر التصعيد مع استمرار المستعمر الإسباني في رفض تسليم الصحراء والتخلي عن سياسة الاستعمار التعسفي. ف"رفض إسبانيا تخليها عن إقليم الصحراء كان يبرره منطق واحد، هو مخطط هذه الأخيرة حول إنشاء دولة مستقلة ذات حكومة محلية تحت وصاية وسيطرة إسبانية"(1).

بهذا، وإثر إحالة كل من المغرب وموريتانيا لملف القضية إلى محكمة العدل الدولية (1974) مع التساؤل حول الروابط التاريخية للمنطقة جغرافيا، وما تبعه من رد المحكمة (1975) المشوش حول القضية بتحفظها عن تأكيد تبعية المنطقة للسيادة المغربية، أعلن العاهل المغربي في خضم ما نتج عن ذلك ـ يوم 5 نوفمبر 1975 ـ عن تنظيمه لمسيرة وطنية شعبية لعبور منطقة الصحراء تأكيدا لمغربيتها سميت بالمسيرة الخضراء. "وبعد أربعة أيام على انطلاق المسيرة الخضراء بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل يضمن للمغرب حقوقه على أقاليمه الصحراوية وفي 14 نوفمبر 1975 وقع المغرب وإسبانيا وموريتانيا اتفاقية"(2). وهي اتفاقية مدريد التي تم بموجبها "إنهاء الوجود الإسباني على الأراضي نهائيا قبل 28 فبراير 1976"، مقابل "إشراكها (إسبانيا) في استغلال مناجم فوسفات بوكراع، وبقاء أسطول صيدها البحري في المياه الإقليمية الصحراوية، وبضمان قاعدتين عسكريتين لها قبالة جزر الكناري"(3). فسارعت كل من الدولتين المغربية والموريتانية لضم المناطق الممنوحة حسب الاتفاقية المذكورة بسيادة المغرب على ثلثي المنطقة وموريتانيا على الثلث الجنوبي، والذي سرعان ما تخلت عنه اثر الاشتباكات بينها وبين الجيش الشعبي لتحرير الصحراء (التابع للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب «البوليساريو» : المطالبة بتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية):