"ماهي لحظة الشعور باحترام الذات؟...احترام ذاتي الذي أبحث عنه عن طريق احترام الآخر ليس من طبيعة مختلفة عن الاحترام الذي أبديه نحو الآخر، فإذا كانت الإنسانية هي التي أحترمها في الآخر وفي ذاتي ، فإني أحترم ذاتي كأنت بالنسبة للآخر، أحترم ذاتي كشخص آخر... وأحب نفسي كآخر"1[1]
يحتفل البشر في جميع أنحاء المعمورة باليوم العالمي لحقوق الإنسان ولقد اقترن هذا العيد بالإعلان العالمي 10 ديسمبر 1948 والذي قامت فيه منظمة الأمم المتحدة بتدويل قضية الحريات والحقوق على مختلف الشعوب والجماعات والأفراد خارج منطق التمييز والإقصاء وجدلنة العلاقة بين المحلي والكوني.
غير أن واقع الاعتداء على حقوق الإنسان اليوم وتغييب مفاهيم الحريات التي ينبغي أن تتمتع بها كل ذات هو أمر لا يمكن تغييبه ومعطى لا يجب إهماله وتناسيه بما أن الحروب والفتن بين الدول بلغت حدا لا يطاق وأصابت مخلفاتها مقومات الحياة ولم يسلم من أخطارها أحد في الكوكب. ولعل الحرية الإنسانية هي أكبر الأضرار وأشد القيم التي تسير نحو الاختفاء بسبب انتشار نزعات التدمير الممنهج وغزوات دعاة الهمجية وصعود موجات امبراطورية مضادة تكرس منطق القوة وتستعدي قيم العدل والمساواة والكرامة.
في هذا السياق ماهي الشروط التي يجب توفيرها من أجل صيانة منظومة حقوق الإنسان من كل اعتداء؟ وكيف توضع مقولة الحرية على رأس الأولويات التي ينبغي على الهيئات والدول أن تعتني بتوفيرها؟
عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة : قراءة في كتاب " الإهانة في زمن الميغا إمبريالية" للمهدي المنجرة ـ عبد الحكيم الزاوي
تنخرط هذه القراءة في سياق الاحتفاء بالتجربة الفكرية والابداعية لعالم المستقبليات الراحل المهدي المنجرة، تجربة دوت جدران الجامعات وردهات الإعلام الحر، ورنت مسامع الحالمين بالتحرر من رقبة الاستعمار الجديد، تجربة أريد لها أن تدخل غياهب النسيان، وتطوى في مدلهمات التسطيح، في زمن بات فيه تسييج الحقائق وتنميط العقول ووأد الحقيقة شاهدا على اغتيال مثقف الكرامة والذاكرة والانصاف.
وفاة "مثقف الكرامة" وصف ب" الخسارة الفادحة" التي عرفها الوسط الاكاديمي المغربي والاقليمي والدولي قيمة وقامة، ورمزا لمناهضة الظلم والذل والفقر و"الاستعمار الناعم "، فإستطاع أن ينقل المقررات الأكاديمية من مدرجات الجامعات والمختبرات العاجية إلى ميدان الاصلاح والتقدم والنهضة، من موقع الخبير الاستراتيجي الذي لا يتوقف عند حدود التشخيص، بل يتعداه الى التوقع والتدخل لمعالجة الاعطاب التنموية التي راكمها العالم الثالث على امتداد مساره.
التنمية السياسية ـ رشيد اليملولي
يقصد بالتنمية السياسية مجمل القيم و التصورات و الأفكار و الاتجاهات ، التي تؤسس للنهضة و القطيعة مع عوائق و معيقات الارتداد ، في سبيل تأبيد و استدامة السلطوية و الميتافيزيقا ، و المطلق و داء التراث ، عبر التوسل بخطاب يمتح خصوصيته من مجال الفتنة و الرهاب من الاختلاف و من الأفق .
لذا ؛ يكتسي مفهوم التنمية السياسية بعدا حضاريا من خلال قدرته على تقديم بدائل الرقي و البناء ، بعيدا عن الصيغ و القوالب الجاهزة ، و استحضار القيمة الإشكالية للبناء و إعادة البناء ، انطلاقا من الهاجس و البعد التنموي ، الذي يرفض المحافظة و التقليد و المحاكاة ، و يستثمر البعد الخلاق للرصيد الحضاري لدى الشعوب التي حققت النقلة و الطفرة المرجوة .
يتركز المستوى النوعي للرؤية السياسية على سمات و خصائص و مستوى تطور المجالات الأخرى ؛ إذ تبطن هذه الرؤية مضامين اجتماعية و اقتصادية و حقوقية و ثقافية و تربوية و إدارية [1] ، لذا ركزت نظريات التحديث و التنمية السياسية على أن التنمية متغير مستقل ، و الديمقراطية متغير تابع ، ذلك ما يفيد أن تحقق الديمقراطية يتأتى انطلاقا من شروط النمو الاقتصادي و التعليم و الصحة و الثقافة المدنية [2] ؛ بمعنى أن الديمقراطية السياسية مرهونة بالمشروع المجتمعي الذي يقف فيه مفهوم الإنسان مقياسا لنظام القيم و العقل و العمل و الإنتاج و المعرفة ، إنسان الحضارة و الثقافة و التمدن [3] ، بعيدا عن التوظيف الأداتي لمفهوم الديمقراطية ، أي إرجاءها أو تعطيلها تحت مبررات الخصوصية الدينية أو الثقافية ، عن طريق فتح هوامش ضيقة للحرية و المساواة ، أو ببناء أجيال ضعيفة الوعي ضحلة النضج [4] ، و هو ما صاغ التخلف باعتباره قاعدة القمع الاجتماعية التي تنتج أنظمة القمع ، و توطد قيم و مفاهيم و مؤسسات التخلف [5] .
جدل الهوية الوطنية والدين والعلمانية في الدولة الديمقراطية ـ د. حبيب حداد
شغلت مسالة العلاقة بين العلمانية والديمقراطية من جهة، وكذلك العلاقة بين كل من الهوية الوطنية والدين، اي الدين الإسلامي، العلمانية والديمقراطية من جهة ثانية، حيزا واسعا كما هو معروف في الرؤية الفكرية والسياسية للنخب والأحزاب والحركات الاصلاحية على امتداد القرن الماضي وفي كل المجتمعات العربية تقريبا. وبطبيعة الحال فقد كان الجدل والصراع حيال هذه القضايا على اشده في هذه المجتمعات وخاصة بعد الانتقال من مرحلة الكفاح الوطني لنيل الاستقلال من الاستعمار المباشر الى مرحلة الكفاح والتحرر المجتمعي الذي كان هدفه المحوري بناء الدولة المدنية الديمقراطية على اسس الحرية والعدالة والحداثة ومواكبة مسار العصر. واذ نكرس حديثنا هنا لهذا الموضوع فان ما نرغب في توكيده هو اننا لا نرمي من وراء ذلك الغوص في مسائل نظرية او ايديولوجية بحتة فليس هذا هو مكانها ,وليس الأن هو زمانها، حيث بلادنا تغرق في خضم مأساة مصيرية تهدد مستقبلها بل ووجودها من اساسه، وتستدعي منا قبل أي شيء آخر توحيد ارادتنا واستعادة وتمتين وحدتنا الوطنية والمبادرة الجماعية للقيام بكل ما من شأنه انقاذ وطننا. لكن الاستعراض الوجيز للموقف من تلك القضايا وفي مرحلة. المد التحرري لشعوبنا العربية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي وكيف كان نهج واسلوب التعامل معها ,وبالتالي الى اي مدى امكن التعايش معها ,ومن ثم مقارنة دروس تجارب تلك المرحلة التاريخية بما نشهده من ازمة شاملة تعيشها بلداننا اليوم بعد اخفاق مشاريع الثورات التحررية التي جاءت في سياق ما سمي بالربيع العربي , ان ذلك هو امر ضروري وحيوي كي نعي وندرك الى اين نحن سائرون؟ وما هي صورة المستقبل الذي ينتظرنا اذا نحن لم نستعد ذاتنا المغيبة ونمتلك مصيرنا المرتهن ونستعيد مسارنا في الاتجاه الصحيح ؟
صنعة السياسي في سياق غير مُعرّف ـ د.زهير الخويلدي
" ثمة أزمة بما أن الميدان السياسي يهدد ما يُكَوِّنُ مُسَوِّغَهُ الوحيد. لقد تغير في هذه الوضعية السؤال عن معنى السياسة. و لم يعد اليوم، بالكاد: ماهو معنى السياسة؟. انه من المناسب... التساؤل ومسائلة الآخرين: هل مازال للسياسة معنى في نهاية المطاف."1[1]
لقد أدى تكرار التعثر في المجال السياسي زمن اللاّيقين واشتداد الاضطراب وفشل الانتقال بعد حدوث ثورات الحراك العربي إلى طرح مسألة التقييم بصورة جدية لأن مستقبل الجماعة التاريخية الناطقة بلغة الضاد صار مهددا وباتت مسألة صيانة الوجود وحفظ الكيان من الأمور الحيوية والتدبيرات المصيرية.
لقد صارت السياسة عدنا من كثرة الاهتمام بها والاشتغال عليها روتينا ضاغطا وشأنا يوميا وفقدت بريقها وطمست معالمها واستهلكت من شدة تداولها ولكي يتم تحريرها حيثما كانت أسيرة يجدر التساؤل عن السياسي في السياسة من وجهة النظر التي تخص حضارة أقرأ ومن زاوية السوسيولوجيا وفلسفة الحق.
لقد ألقيت كل التهم والتشكيك على كاهل السياسي وتحملت الطبقة السياسية الصاعدة معظم التعزيرات ونعتت بالتقصير وعدم الكفاءة وقلة الخبرة وغياب الأهلية ونقص في الجدارة ووجهت أصابع الاتهام الى رؤساء الأحزاب وزعماء التيارات ورجالات الدولة وتحملت النخب المتعلمة والمثقفة قسطا من الشتائم.
تحت ظلال العولمة: رسائل عالمية ـ د. عبد اللطيف الركيك
الرسالة الأولى: من ضيق العزلة إلى رحابة العولمة.
ظل فعل التواصل بين بني البشر ضعيفا خلال الحقب الموغلة في التاريخ، وأخذ يتطور شيئا فشيئا بفضل الاختراعات التي اهتدى إليها الإنسان في المجالات كافة. فبالرغم من وجود أشكال معينة من الاتصالات بين الأمم الشعوب القديمة المختلفة التي استوطنت ربوع الأرض، فإن مساحة جهل تلك الشعوب عن بعضها البعض ظلت شاسعة، ولذلك بقيت معرفتها بما كان يمور في الأنحاء الأخرى من كوكب الأرض من مستجدات حضارية ملفوفة بالكثير من الغموض، ومطبوعة بطابع الأسطورة أحيانا، حتى أن جزءا مهما من البسيطة المأهولة ظل إلى فترة ليست بالبعيدة مجهولا بالنسبة لباقي الشعوب.
وبمرور الزمن وتوالي الحقب التاريخية الطويلة، وبفضل التقدم المضطرد في تقنيات ووسائل التواصل والاتصال التي أوجدها الإنسان على فترات متباينة في مجموع أنحاء الأرض، أخذت المسافات تتقلص رويدا رويدا، حتى أصبحت فكرة الإنسان عن أخيه الإنسان الذي يستوطن معه نفس الكوكب تتقلص تدريجيا إلى أن أمكن في عصرنا الراهن، وبفضل الإمكانات التواصلية الهائلة التي أصبحت في متناول الإنسان الحالي، تقريب المسافات بشكل غير مسبوق في التاريخ، وبالتالي تسريع وتيرة التبادلات الثقافية والحضارية تأثيرا وتأثرا على امتداد الحيز الذي يعمره الإنسان في كوكبنا.
التاريخ والذاكرة: حفريات في الذات المغربية المقهورة بلون السياسة ـ مولاي عبد الحكيم الزاوي
ينطرح جدل التاريخ والذاكرة في تاريخ المغرب الراهن بشكل أكثر صخبا في قراءة منجزنا التاريخي، كإشكالية مركبة تخترق مخابر ابستمولوجيي المعرفة التاريخية، وتفرض تدخلا عاجلا لمختصي الزمن قصد الحد من انزلاقات الذاكرة، وتلاعبات مالكي وسائل الإكراه والانتاج بها، يحضر العنف والعنف المضاد في تفسير وقائع أحلك اللحظات عتمة في استوغرافيتنا الراهنة، تخبو اللغة والرمز وبعدها المكتوب وراء أقنعة النسيان، ويختفي خلسة معها الجلاد، فيصدح صوت زنازن السجون والمعتقلات السرية، مذكرا بجروج أليمة تعتور ذاتا مكلومة بطعم السياسة.
ففي تفاصيل أدب السجون، ومتابعات الصحفيين، ومذكرات المعتقلين، وكتابات المؤرخين، وشهادات الفاعلين ينكشف المعنى، وتفصح الذاكرة التاريخية المنسية خلف أقبية الظلام عن ماضي حزين، ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، والاعتقال التعسفي الذي ميز للحظات تاريخ التجاذب السياسي بين المؤسسة الملكية والقوى اليسارية حول شرعية ما بعد الاستقلال، لتنطق ذاكرة الألم الفردي والجماعي، مفصحة عن موضوع على درجة عالية من التشبيك والتعقيد، يغري آل الزمن، ورفقائهم من تخصصات مجاورة، بالبحث والتنقيب، للكشف عن الحقيقة الضائعة، للمصارحة قبل المصالحة.
ذلك أن الإكراه في هكذا "موضوع حارق" يقع في خط التماس مع " إلتباس منهجي" يعتمل داخل مختبر المؤرخين، حول شرعية البحث في التاريخ الراهن، وترك مساحات ظل في الوراء دون إضاءات تاريخية ، حول مدلول الوثيقة الجديدة التي اقتحمت حقل التاريخ، حول تفاعلات الأحياء مع ما يكتب وينشر في أعمدة الصحف وسوق النشر، حول مسؤولية الذاكرة في كتابة التاريخ، حول الطلب والشغف المعرفي الذي يبديه قراء لغة الضاد لاستكشاف حقيقة ما وقع من وقائع، باختصار حول جدل التاريخ والذاكرة[1].
أدوار المثقفين زمن الانتخابات ـ د. محمد بنلحسن
المثقفون هم صفوة المجتمع، ونخبته المؤهلة بسلاح العلم والمعرفة والفكر النقدي الذي لا يقبل المهادنة مع الجهل والتجهيل، وطمس الحقيقة عن الناس، وتزييف الوعي، وتغليط العقول...
ومع ذلك، فالمثقفون أنماط وأنواع، بحسب ميولاتهم الفكرية، ونزوعاتهم المذهبية، ناهيك عن انتماءاتهم السياسية.
هناك مثقفون اختاروا طواعية، الانتماء للأحزاب السياسية؛ سواء لأحزاب السلطة الحكومية، أو للأحزاب المعارضة لها، بصفتهم مناضلين، يترشحون للانتخابات، من أجل تمثيل الحزب في المؤسسات التشريعية والتنفيذية؛ من هنا يستثمرون؛ معارفهم، ومهاراتهم، وجميع ما أوتوا من كفاءات؛ كلما اقتربت، أو حلت معركة الانتخابات التشريعية-البرلمانية، من أجل التواصل الفعال مع الناخبين والناخبات، وإقناعهم بوجاهة البرامج الانتخابية لأحزابهم، ويبذلون الجهود المضنية من أجل استمالة الكتلة المصوتة.
وهناك فريق آخر من المثقفين؛ يمكن الاصطلاح عليه بأنه نمط مغاير تماما؛ غالبا ما يفضل من البداية؛ النأي بذاته عن الخندق الحزبي؛ ويوثر عدم الانتماء لأي كيان، أو تيار أو اتجاه؛ بحجة أن المثقف، أكبر من أن يحدد في إطار، أو يسلك في مذهب فكري ضيق، أو يحسب على منحى سياسي يتم رسم معالمه الكبرى، وخطوطه الحمراء سلفا من لدن أجهزة وطنية، وفي تجاربنا السياسية المغربية، نعثر على بعض الأمثلة لكبار المثقفين المغاربة الأفذاذ، ممن فضلوا مغادرة السفينة الحزبية، والاتجاه صوب المعرفة والكتابة والإبداع...لأنهم وجدوا هناك آفاق رحبة، وفسيحة، للحرية وإثبات الذات...