لا غرو أن العمل السياسي لا يكون له معنى إذا لم يضع المثقف بصمته فيه، لأن الثقافة هي الضامن الأساسي لطهر السياسة و عفتها. و إذا انفصلت السياسة عن أصلها الثقافي و الفكري و الأخلاقي، طغى ـ لا محالة ـ على من يمارسها النفع الذاتي و الاقتصار على خدمة الأجندة الإيديولوجية الحزبية، خاصة إذا كانت عقلية السياسي رهينة لما تقرره القيادة الحزبية، ومُنْصَاعَة لـ (نظرية القطيع) التي تعمل المنظمة السياسية على ترسيخها.
إن ما يعيب سياسة العصر الحاضر أنها موسومة بالسمات التالية:
- إنها سياسة ارتجالية غير محددة المعالم، غوغائية، يتصارع فيها الجميع (الأغلبية) ضد الجميع (المعارضة).
- إنها سياسة الاتكالية و اللامبالاة، فهي سياسة يعتمد فيها السياسي على الآخرين سواء كان هذا الأخر هو الحزب أو الحكومة....
- إنها سياسة جامدة يسودها تكرار البرامج و اجترارها و ينقصها الإبداع و التجديد.
- إنها سياسة ركب سفينتها العامة و الخاصة، فأراد البعض الاستسقاء من الأعلى و أحتاج الآخرون إلى خرق السفينة حتى لا يمروا على من فوقهم، فغرقت السفينة و طفقوا يلقون اللوم على بغضهم البعض.
- إنها سياسة ـ في غالبها ـ تتناقض فيها الأقوال مع الأفعال و تستفحل فيها ظاهرة (الكلام الكبير) ـ على حد تعبير طارق حجي ـ. لهذه الظاهرة جعل البعض يصفنا بأننا (حضارة كلامية) أو (حضارة حنجرية) أو مع التطور العلمي (حضارة ميكروفونية). فما يقال في (الخطابات السياسية) لا يقابله أي شيء محدد في (الواقع المادي).
فكل ما أصاب الواقع السياسي من عبث في المواقف و فساد في الرؤى و التوجهات، مَرَدّه غياب المثقف عن المشهد السياسي و غيابه هذا سببه أمرين اثنين:
ـ
القانون كإبداع للمفاهيم ـ المسعودي محماد
" إن القانون كالمسافر، يجب أن يكون مستعدا للغد، عليه أن يحمل بذرة التطور في ذاته "
القاضي كرد وزو.
يرفض الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز أن تكون الفلسفة في تميزها و اختلافها عن العلوم و المعارف الأخرى ,مجرد تأمل أو انعكاس الفكر على ذاته,كما يرفض أن تكون تواصلا و مشاركة بين الذوات في الفضاء العمومي, من أجل صياغة الحقيقة, و الرفض هنا يطال القول الذي يجعل من الفلسفة وليدة للدهشة , و تعلم التفكير , و ممارسة الشك لمعرفة الذات لذاتها بذاتها, ننتهي مع دولوز إذن أن الفلسفة لا هي تأمل و لا تفكير و لا توصل , إنها بكل تأكيد فن تشكيل و إبداع للمفاهيم, و بذلك تصير المهمة الأولى للفلسفة هي خلق المفاهيم و نحتها ، وهي بذلك تنفرد بهذه المهمة عن باقي المعارف الأخرى, من حيث كونها مبحثا ثوريا لا يتوقف عن ابتكار المفاهيم، وعملية النحت و الإبداع هاته ليست بالعملية السهلة ، كونها تخرج على حد تعبير دولوز من رحم الكتابة الفلسفية ، كما يخرج الوليد من رحم أمه ، عبر سلسلة من الألم و المعاناة القاسية.
البلدان العربية مصابة بمرض فقدان المناعة الاجتماعية لغياب الديمقراطية ـ عزالدين عناية
عزالدين عناية في حوار مع عبدالسلام سكية الصحفي في جريدة الشروق الجزائرية
- كيف تنظر إلى تسابق الكثير من شباب الدول الغربية إلى الإلتحاق بصفوف الدولة الإسلامية , هل تعتقد أنّ التنشئة الإسلامية في العالم الغربي تميل إلى التشدد ورفض ما في العالم الغربي؟
ثمة حملة قذرة يتعرض لها المسلم في الغرب، سواء منه المهتدي إلى دين الإسلام أو الوليد في تلك الربوع ويعود إلى أرومة إسلامية، ولا أستبعد دوائر كنسية ويمينية وراء ذلك التشويه المتعمد بقصد محاصرته وصده، باعتباره مريضا نفسيا يتحول إلى دين عنيف وهمجي، أو باعتباره رافضا للاندماج. الإسلام يخطو خطى مهمة في الغرب، ولا سيما في أوساط الطلاب والمثقفين، حتى ليمكن الحديث عن ظاهرة اهتداء للإسلام لا تخلو منها أي دولة أوروبية، تم ابتكار أساليب مستجدة للوقوف أمامها.
أطياف مهدي عامل... الثّورات والتّناقض المأزقي لقوى الإسلام السّياسي ـ نزيه كوثراني
اليوم يتأكّد لي أكثر من أيّ يوم مضى مدى الحضور الحيّ والقويّ والفاعل لمهدي عامل. “لأنّ الذين أحبّوا مهدي ويحبّونه يعرفون جيّدا أن حسن/ حمدان مازال يشعّ وجودا فعليّا. فالنّسيان والفراق والموت لا يمكن أن يهدّد وجود من وضع وجوده كلّه في مشروع حياة، من خاض كلّ نضال من أجل الحياة نفسها. إنّ حلم مهدي هو بناء عالم من أجل الإنسان في كلّ أرض الإنسان”1.
هكذا هم الشّهداء الحقيقيّون، شهداء حرّيّة الفكر والكرامة والقيمة الإنسانيّة، يتحدّون القتلة الطّغاة و يسخرون من حدود ومحدوديّة الاغتيال، فيصرّون على الحضور الكامل إلى جانب شعوبهم، خاصّة في مثل هذه الأوضاع التي تعيشها شعوب جنوب شرق المتوسّط، حيث يتحايل مثلّث الخراب والدّمار والفاشيّة، المتمثّل في الإسلام الطّائفي السّياسي والرّجعيّة القروسطيّة الخليجيّة والقوى العظمى الغربيّة والشّرقيّة على تحريف الثّورات وتيئيس الشّعوب من الضّرورة السّياسيّة الكامنة في صيرورة تطوّر الحركة التّاريخيّة لمجتمعاتهم نحو الآفاق الرّحبة للتّغيير المستقبلي.
في أسباب كساد الماركة السياسية للمعارضة السورية ـ مناف الحمد
مصادر عديدة تدخل في تشكيل الماركة السياسية منها العامل البلاغي الذي يصاغ عبره المنتج السياسي سواء كان مؤسسة أو مرشحاً او برنامجاً ، وهو يندرج تحت ما يسمى بالحدث المتحكم به.
وفي تفكيك أثر هذا العامل لا بد من الإشارة إلى أن البلاغة بالتعريف هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال وأنها لكي تؤتي أكلها في التشكيل الناجح للماركة السياسية تمرّ بثلاث مراحل في مساهمتها في سيرورة صناعة المعنى التي تساهم بدورها ، و باعتبارها ممارسة اجتماعية تتوسط - بحسب نظرية التشييدية الاجتماعية - بين الخطاب وبين الكيانات الاجتماعية في التأثير على هذه الكيانات التي هي الجمهور المستهدف باستعارة مصطلحات التسويق السياسي الأول هو التأطير والثاني هو التحقيق والثالث هو الترسيخ .
أما التأطير فيقصد به الصياغة للمنتج ، وأما التحقيق فيعني تجسيد المنتج تجسيداً عملياً ، وأما الترسيخ فهو قدرة العامل البلاغي عبر انتشاره على تحويل المنتج إلى مكون متناسج مع البنية الذهنية والنفسية للمستهدف بهذا المنتج .
العزوف السياسي... إلى أين؟ ـ المختار شعالي
يعتبر العزوف السياسي أحد الاختلالات العميقة التي تعيق تطور وتقوية النظام السياسي سواء علي مستوي الانتماء للأحزاب السياسية أو الاهتمام بالشأن السياسي أو المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. باعتبار أن المشاركة السياسية - نقيض العزوف السياسي- تشكل إحدى الركائز التي تنبني عليها الديمقراطية القوية التي تستند إلى إرادة الشعب، كونها تعبيرا عن التجاوب والتفاعل مع العرض السياسي. وعلى هذا الأساس فإنها تمنح النظام السياسي القائم القوة والمصداقية وبالتالي الاستقرار.
من يستفيد من الديمقراطية ؟ ـ المختار شعالي
أضحت الديمقراطية قناعة سائدة في عالمنا المعاصر، كونها ثورة في الفكر وفي القيم ونقلة نوعية في الممارسة السياسية الذي تستند إلى إرادة الشعب. هذا ما جعل منها في صيغتها المعاصرة واحدة من أبرز إفرازات القرن العشرين. وقد انجذب المغرب إلى هذا النموذج الساحر وانخرط منذ الاستقلال في هذا الاختيار. غير أنه منذ الستينات برز في الساحة السياسية المغربية موقفان متعارضان اتجاه الديمقراطية: يتمثل الأول في موقف القوى التقدمية حينئذ التي رأت في الديمقراطية أداة لمنح الشعب فرصة المشاركة في الحياة السياسية. في حين رأى الموقف الآخر الذي يمثله المخزن أن الشعب ما زال غير مؤهل للديمقراطية. لذلك سعى هذا النظام إلى خلق ديمقراطية صورية في الواجهة وترسيخ على الأرض حكم مطلق مركزي.
الوعي بحقوق الإنسان .. تعريفه وأهميته ـ فرغلى هارون
يعتبر الوعى بحقوق الإنسان Human Rights Consciousness، والوعى الحقوقى بشكل عام، من الموضوعات التى ارتبطت، جذرياً، بصعود تيارات العولمة فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، وزيادة الضغوط الدولية على مختلف بلدان العالم من أجل العمل على احترام وكفالة حقوق الإنسان. حيث ترى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، أن زيادة الوعى الحقوقى لدى الناس، يمثل الخطوة الأولى نحو حصولهم على حقوقهم، لذلك أولت الكثير من الاهتمام لمسائل نشر ثقافة حقوق الإنسان، والتركيز على تعليم حقوق الإنسان، وتدريب الناشطين حول العالم على كيفية توعية الناس وزيادة وعيهم بحقوقهم الإنسانية.