معروض للبيع، فمن يشتري؟
وطن عمره آلاف السنين، كتبت فيه أول أبجدية، في قلبه بنيت حضارة صحرواية، أعمدة طويلة، مسارح رومانية قديمة، أسواق عريقة رائعة، مدفن أول نبي.
بحرٌ جميل، جبل شامخ، أنهار طويلة، وسهول خيرة.
وطن قدماه سومريتان، قلبه عربي، ورأسه تائه بين الأمم.
فقد نصف أرضه في صراع الأمم، ينتظر ضياع النصف الآخر في فتنة الأهل.
من يشتري وطنا؟
غلبه التنافر والتناقض، كفرت به الأديان، و جننته الأفكار، وثملت عينيه القوميات.
من يشتري وطنا؟
أرضه غنية بالنفط، وبحره يطفو على الغاز، وشعبه جائع، ضائع.
فيه ألف قبيلة، ولا يوجد فيه مواطن واحد.
حدوده الرماح المتصارعة، والدماء المسفوكة.
من يشتري وطنا؟
حديث رجلين – قصة: أمينة شرادي
كانت عيادة الطبيب غاصة بالمرضى. كل ينتظر دوره. كانت هناك حالة من الصمت التي خيمت على المكان. لا تسمع سوى صوت التلفاز المعلق أعلى الحائط كأنه رقيب على حركة كل واحد منهم. في الجانب الأيسر من قاعة الانتظار، كان رجلان، منسجمين في حديث طويل. لا يعيران أي اهتمام لأي حركة داخل القاعة. كانا ينتظران أيضا دورهما.
كانا يلبسان لباسا تقليديا. يبتسمان تارة وتارة يصمتان. أحيانا ترى أيديهما في صراع مع الكلمات كأنهما في مرافعة وكان كل واحد منهما يريد أن ينتصر.
قال الأول صاحب الجلباب الطويل وداكن اللون ورفيع الجسد وحاد النظرات:
-لقد أصبحت المعيشة لا تطاق. لا يحتمل ما نعيشه اليوم.
ابتسم الثاني، قصير القامة، بجلبابه الفضفاض وطيب الملامح:
-صحيح، في السابق، كنت أستطيع أن أشتري الخضر واللحم بمائة درهم.
أجابه الرجل الأول وهو يضرب كفا بكف:
- تقاعدي لم يعد يكفيني حتى لمسائلي الشخصية. حتى تكلفة زيارة هذا الطبيب لم أستطع دفعها. لولا مساعدة ابني المسكين الذي يشتغل في احد المصانع.
ابتسم الرجل الثاني وقال له:
ولدك طيب معك. الله يخليه لك.
استوطن الصمت المكان. نظرات غامضة وغير راضية لا على الانتظار الذي طال ولا على وضعيتهما.
ثم أردف الرجل الثاني وقال له:
أتدري كم وجدت ثمن زيت الزيتون اليوم؟ لا تصدق.
- كم؟
- مائة وعشرون درهما. انه الجنون. يظلون يغنون في الإذاعة والتلفاز بأهمية الزيت البلدي وضرورة استهلاكه. كيف يمكن ذلك اليوم؟
وتجهم وجهه بعدما كان شعلة من الفرح والرضا. ونظر الى الأرض كأنه يبحث عن شيء فقده.
سأل الرجل الأول السيدة التي في الاستقبال عن دوره. أجابته بانه سينتظر قليلا.
فرك يديه ومسح وجهه ولحيته واستغفر الله. ثم قال للرجل الثاني:
- لم أعد أستطيع شراء زيت الزيتون. انه غالي جدا والمسكين في هاذ البلاد يضيع.
- إذا رغبت نشترك في لتر واحد ونتقاسمه بيننا حتى لا نحرم منه.
المعادلة الصعبة – قصة: محمد محضار
" معظم حياتنا مصادفات، ترتبط بأحداث لا علم لنا بوقائعها، وإن كُنّا نسعى لِتدبّر أَمرها بترتيب سياقاتها، هي الحَياة هكذا فَهْمها عَصِي على المرء مهما ادّعى القدرة على حل شفرتها وتفكيك مخرجاتها، وأنا طيلة سنوات عمري الماضية عشت فصولا مترابطة ألهتُ وراء وَهْمِ الإحَاطة بِشَواردها وأَلجِمَتها، لكنني فجأة وفي لحظة سَهْو غريبة وجدتني أزيغُ عن جادة الصواب وأفقد البوصلة، فبعد أن كنت " رأسا" صرت "قدمين".
أنا علال بن مثقال المفوض القضائي الذي كان يطرق أبواب الناس حاملا لهم استدعاءات المحاكم، وأُوافِيهم برسائل التَّبليغ والإشهار، ويتهافت المتنازعون على طلب خدماته، أفقد على حين غرَّة هذه الصفة، وأنقلب إلى مشبوه متورط في قضية تَزوير مُلفّقة انتهت بي إلى العزل، بعد الصَّدمة جاءت الصَّحوة، وإذا بِي دون مورد عيْش، وقَلبتْ لي الأيام ظَهر المجن، وانفضّ من حولي المتهافتون، وطلبت عَقيلتي الطَّلاق وهي غير نَادمة، وعندما ناقشتها في الأمر صَمَّتِ الأذان، فكأنها الحَجر الصَّلد، لا جواب ولا تجاوب، إلا الخذلان وخيبة الأمل، قتلتني بدم بارد ولم تَرْع عشرة ولا تذكّرت ما فات بيننا من محبّة ومودة، فارقتها وآلتْ إليها حضانة ابنتينا، ومضيت إلى حال سبيلي أبحث عن مخرجات لوضعي المتأزم علّني أعثر على ما يعيد لنفسي نقاء وبساطة الأمس ويضمن لي فرصا جيدة تُجنبني براثن الانهيار"
كانت الظروف أقوى من علال بن مثقال، ولم ترحم ضعفه، واضطرته للنزول درجة ثم درجات، وحتى يستطيع أن يضمن لنفسه سيرورة مأمونة، رضِي بالعمل حارس أمنٍ خاص لضيعة واحد من علية القوم، معروف بأنه رجل أعمال وسياسة، استقل بمسكن ملاصق لمدخل الضيعة يحرس بابها، ويراقب الداخلين والخارجين، ويقدم يوميا تقريرا سرّيا لمُسيِّر الضَّيعة وهو كهل ضخم الجثة يتعامل بصرامة وحزم مع كل المشتغلين تحت إمرته ، ولا يتردد في معاقبة كل من يخرج عن السطر من منظوره، كان شعاره الدائم:" شوف واسكت، واللي تكلم يرعف"، كان على علال القبول بهذا الوضع والرضى بهذا المستجدّ، فهو صامت يرى ويسمع ولا يتدخل في أمر، البندقية الخماسية على ظهره وحزام الذخيرة يُمنْطِقُ وسطه، وهو أشبه بمقاتل يذرع المكان يحفظ الأمن و يحمي الدِيَّار، وينفذ التَّعليمات الصَّادرة إليه من مشغليه الذين أطعموه من جوع وأمنوه من خوف في زمن تنكر فيه له الجميع.
غربان بيض فوق الشام – نص: فراس ميهوب
دمشق في خاطر كل سوري هي الجامع المشترك لأحلامهم، وخيباتهم، يفتخرون بالإقامة فيها، ولو كانت في بيت متواضع مستأجر في دف الشوك أو القابون.
تمرُّ كل الطرق إلى دمشق بالصحراء الحقيقية أو المجازية.
ترى فيها بعض الأحياء الراقية، ولكن ينجذبُ نظرك إلى مساكن الديماس التي يتكدس فيها البشر كسردين مرتب، أشبه ما يكون بأحياء الفقر في ريودي جانيرو.
لا تثور دمشق، ولا تتغير بسهولة، هي كسوقها الأشهر -الحميدية- تشتري كل البضائع وتبيعها بنصف الثمن المعلن.
تستقبلُ الثائرين المنتصرين برؤوسهم الحامية، وتودع المهزومين بقلب بارد.
هي أرض لكل لاجئ، فلا يمضي فيها أربعين يوما حتى يعتقد أنه أطلَّ عليها من قاسيون، وعندما تودي به الأقدار إلى القارعة يصير جزءا من ماض رحل كأنه لم يوجد ولم يعش بها قط.
تعطي دمشق سكنا و أمانا بسهولة لكل من يطرق بابها، لكنها لا تمنح قبرا لأحد إلا بصعوبة بالغة.
ما أكثر من اشتهى وهما فلحق به في دمشق، وما أكثر من باعته من الميدان وحتى المالكي والمزرعة.
في دمشق يعرف الجميع أين يقع القصر الرئاسي، ومقر رئاسة الوزراء، بل تعرف الشوارع بمقرات الأفرع الأمنية، حتى فلسطين فيها تحولت إلى فرع أمني، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بغدٍ ما فيها.
بعيدا عن القُبح، قريبا من الجَمال – نص: عبد الهادي عبد المطلب
"الجمال يولد بأشكال عديدة، فقط غيّر زاويتك وستراه في كل مكان" (س. فرويد)
الجمال مفتتح كل بداية، ومفتتح الوجود جمال.
1 ـ بعيداً عن التعقيد..
بعيدا عن الفلسفة وشطحاتها، وأسئلتها المقلقة حول الوجود والموجودات، وهي تزيد الجمال تعقيدا حين تحاول تفسيره تفاسير تُرضي الآلهة، وتُسكنه كتب وحكايات الملاحم والبطولات، بعيدا عن الشعر وهذيانه حين يتغنى بالجمال كلمات وصورا تُخندقه ولعا وشوقا وحرقات ودموعا ولهفة، تموت خنقا داخل الدواوين وعلى الأوراق.
بعيدا عن تلاوين الرسامين وشخبطات ريشاتهم المسافرة في اللون، وهي تُحيل الجمال خطوطا وخربشات تزيده تعقيدا حين تصبغه بأسماء المدارس، تكعيبا وتجريدا وواقعا، تعتمد اللون وضرب اللوحة، ثوبا أو حريرا، قاموسا وفنّاً.
بعيدا عن سرحان المريدين والعابدين والحالمين الباحثين عن الجمال في حلقات الذكر والتمسُّح بالأعتاب والتبرك باللحود والكرامات، بعيدا عن كراسي المدارس والمعاهد التي تُقزّم الجمال في جُمل وكلمات جوفاء تزرعها في قلوب المتعلمين كلاما وتمارين وأنشطة، بعيدا عن مراتع القُبح الذي غطى أبسط تفاصيل حياتنا، حتى أنمحى الجمال منا وفينا ومن بيننا، وأصبح غريبا، عملة نادرة، بل مفقودة، فلا نجده إلا مخبوءاً تحت مُسمّيات العيْب والحياء.
بعيدا عن النظرة القاصرة للجمال التي تراه في حوَر عينٍ أو زُرقتها، أو أهداب ناعسة، أو قدّ ميّاس أو نهدٍ كاعبٍ نافرٍ يثير الشَّهوة، بعيدا عن التعقيد والتّصنّع، والرياء والتظاهر والتفاخر الكاذب، فتلك نظرة كسيحة للجمال، بائسة وجيعة تبخس سر الجمال، وقيمة الجمال، لأن الجمال في حقيقته المثلى، قيمة تسمو بالإنسان والوجود.
2 ـ قريبا من الجمال..
نظرة إلينا، إلى محيطنا، إلى واقعنا، إلى ما نحن فيه من دُنُوٍّ من القُبح، تحكي بما لا يدع مجالا للريبة والشك، أن الجمال عندنا ـ للأسف ـ تقليدٌ أعمى، تظاهرٌ كاذب، امرأة بمواصفات دنيئة، وما سوى ذلك، عادي، لا جمال فيه، تلك نظرة فيها حوَل، عوَر، فيها عمش، نظرة بائسة لا تسبر غور الأشياء، ولا تنفذ عمقها لتستخرج لبها.
قسوة – قصة: د.الحسين لحفاوي
وقفت بين يدي معلمي الذي حدجني بنظرة ثاقبة اخترقت ثيابي وجسدي وأربكتني. قلّبني ببصره الحاد، صعّده وصوّبه. حدّق في شعر رأسي المموّج، وفي أسمالي البالية المرقعة بخيوط غليظة منفّرة. دقق النظر في ميدعتي باهتة اللون من القِدم وقد نُزعت أقفالها وجيبها الذي على اليمين. ثم نزل قليلا فتركز بصره على سروالي المتشح باللون الرمادي لما التصق به من تراب وعرق. وانتهى أخيرا إلى حذائي الذي انكشفت في مقدمته بعض أصابع قدمي، ذاك الحذاء الذي رافقني سنتين كاملتين وكنت أشده بخيطين كلٌّ بلون محاولا جعلهما لونيْ فريقي المفضل.
عندما أنهى المعلم العبث بي بسهام نظره دون أن ينطق بكلمة واحدة رمى كراسي الذي كان يقلبه بين يديه على وجهي. آلمتني الضربة لكني لم أتزحزح عن مكاني خوفا من إغضابه. تسمرت دون بكاء، كتمت ألمي وتجلدت. لعل أكثر ما آلمني أن أرى كراس العبادات بما خُطَّ على صفحاته من آيات قرآنية مقدسة وأحاديث نبوية شريفة يتدحرج بين الطاولات وتتقاذفه أقدام رفاقي. ثم صرخ في وجهي وهو يشير بسبابته إلى المقعد الأخير "ذاك مكانك، الزمه حتى آخر يوم من السنة الدراسية".
اتجهت نحو المكان الذي حدده لي معلمي وقلبي يخفق خوفا كقلب عصفور صغير وقع في فخ نصبه له صبي شقيِّ. سرت متعثرا في خوفي وارتباكي. أحسست بنظرات رفاقي تخترق جسدي النحيل مثل سيوف حادة. وصارت قهقهاتهم نواقيس تقرع رأسي. وغلى الدم في عروقي وفكرت في أن أصرخ في وجوههم وأن ألتفت إلى معلمي وأشتمه، لكن خوفي من غضبه ألجمني. طالت بي المسافة وشعرت بالعرق ينز من كل مسام جسدي وتغمر حباته وجهي وكل جسمي. تبللت ملابسي ولم أعد أعي أين أضع قدمي فاصطدمت مرة بطاولة، ومرة أخرى بقدم أحد الرفاق الذي أراد إسقاطي عنوة فتهاويت وكدت أسقط لولا أن تداركتني طاولة استندت على حافتها.
لم يكترث معلمي بما كنت أعاني، ولم يمنع التلاميذ من العبث بي. لم يكترث بضعفي وعجزي، ولم يأبه ليتمي وفقري. لم يكترث بي عندما قلت له إنني أنام وأختي ووالدتي في ما يشبه الغرفة جاد بها علينا دَعِيُّ كَرَمٍ طمعا في جسد والدتي. في تلك الغرفة، إن جاز أن نسميها غرفة، كنا نطبخ ونأكل ونسهر وننام. لم ينزعج عندما أخبرته أننا نأوي إلى فراشنا عندما تغرب الشمس، فليلنا يبدأ عند الغروب. لم يحفل بارتعاشه شفتيَّ وأنا أعترف له أنني أهملت حفظ الآيات التي كلفنا بها لأننا لا نملك شموعا في بيتنا.
الفكرة المجنونة – قصة: محمد محضار
فكّرَ، ثُمَّ اخْتمرت الفكرة في رأسه حتى صَارت ذات بُعد عميق يعكس رغبته القويّة في المرور من أحلام اليَقظة إلى مرحلة الوعي بحدود رغباته ومدى إمكانيّة تحقق ذلك في العالم الواقعي، عندما أسَرّ لصديقه بالفكرة التي أصبحت تسيطر على عقله وتضغط على تفكيره بإلحاح لا يُمكن تجاهله أو غضُّ الطَّرْفِ عنه، لم يَتردّد الصّديق في نعتِ فِكرته بالمَجْنونة وغَيرِ المَقْبولة، لكنه لم يتقبّل منه القول، واعْترض على كلامه قائلا:
-فِكرتي عميقة وليست مجنونة، لأنها ستعيد لحياتي نكهتها، وتمنحني فرصة جديدة للاستمتاع بتجربة ناجحة.
ابتسم صديقه وقال بصوت ساخر:
-أنت تسوغ لِنفسك ما تراه يَستجِيب لأهْوَائِك ويَخدُم مُغامرتكَ غيرِ المأمونة العواقب.
تحسّس شَعْرَ رأسه، وزَوّى ما بينَ حَاجبيه وهتف بصوتٍ غاضبٍ:
-ما أنا مُقْبل عليهِ هو عَينُ الصّواب، وسَلوة الفؤادِ وغاية النّفْسِ
-بل هو الجنون عَينه، يا صَاح
تَوقَّف الأمر عند هذا الحدّ، وقرر أن يتجاوز الدّخول في جدل لن يغير من الأمر شيئا.
زاد ثقل الفكرة على رأسه، وأحس بأنه يَحسنُ به تقاسمها مع شخص أخر يفهمه ولا يخذله، وبعد تمحُّص و تأمّل لم يخطر بباله إلا شقيقه الأصغر فهو من ذَوي القربي وقد أوتهما نفس البطن ورضعا من نفس الثدي، ويمكنه أن يستأنس برأيه، لم يتردد في الاتصال به وألحّ عليه في الحضور قائلا: " نلتقي بعد ساعة من الأن بنادي فضاء الحرية لرجال التعليم " حاول شقيقه الاسْتفسَار عن سبب الإلْحَاح، لكنه تجاهل طلَبه وقال له بصوت جَازم : "هذا ليس وقت استفسار أيها العزيز".
هَسِيسُ ٱلْجُنُون – نص: ناصرالسوسي
ٱلأَنَا وَظِلُّهَا:
-1-
قُبَيل الفَجْر دَاهَمَتْني مَنَامَة.
فقد رَأَيتُ فِي مَا يَرَى النَّائِم أَضْغَاثَ أَحْلاَمٍ لمْ أعْهَدْ مِثْلها مِنْ قَبْلُ..
عَلَى إِثْرِهَا صَحَوْتُ مَذْعُورًا وَالظَّمَأُ ينالُ منِّي إذ أَحْسَسْتُ بِتَجَفُّفِ حَلْقِي. أَطْفَأتُ غُّلَّتِي بِمَاءٍ معْدني فَٱبْتَلَّتْ أَحْشَائِي.
ٱجْتَاحَنِي عَرَقٌ غزيرٌ وأنا أَتَفَكَّرُ في صُوَرِ رُؤْيَايَ، وَأُقَلِّبُ رُمُوزَها الَّتِي تُقْتُ قَدْرَ مُكْنَتِي إلى ٱلتِقاطِ بعض مَعَانِيهَا وَتَفَهُّمِ قَدْرٍ مِنْ دَلاَلاتِها.
-2-
فِي كُلِّ صباح، ألْبَثُ مُسْتلْقِيًّا، لِوقْتٍ قَدْ يَطُول أويَقْصُر، كَدَيْدَنِ "روني ديكارت" وهو تلميذٌ في مدرسة "لاَفْلِيشْ" ٱلْيَسُوعِيَّة. على سَرِيرِي أَظَلُّ أتأرْجَحُ بين خَدَرِالكَرَى وٱستشباحاتِ يَقَظَتِي. وفي مَضْجَعِي أيضًا أسْعَى جَاهِداً إلى ضَبْطِ بَوْصَلتي المُرْتَجَّة ٱلَّتِي تَجْعَلُنِي، على النَّقِيضِ مِنْ "يُوهَان غُوتُه"، أَرَى الشَّرقَ غَرْبًا، والغَرْبَ شَرْقاً..
يَا لَأَوْهَامِي
مَنْ أُصَدِّق يَاإلَهِي فِي غَمْرَة تَيْهِي وَجُنُونِي؟!
أَنَايَ المُمَزَّقة بَيْنَ الأَحلاَمِ وَاليَقَظَة، أمْ آخَرُهَا المُضَاعَف الَّذِي يُكَابِدُ كَ "الفَتَى فِيرْترْ" وَاقِعاّ شِرِّيراً هَشَّمَ حَيَاتَهُ فَحَوَّلَهَا إلى مَأسَاةٍ خَالِصَة ؟..
يَالَهَلْوَسَات سَمْعِي!