الآن بعد أن مضى بي العمر بعيدا عن مواطن الفرح والمرح وسار بي سيرا وئيدا نحو النهايات ليرميني في فيافي قاحلة موحشة، تأتين أنتِ من بين ركام السنين لتقولي لي بأنك اشتقت إليّ وأنني الحلم الوحيد لديك؟ الآن فقط تجرئين على فتح أبواب موصدة منذ دهور وتنبشين أرضا يبابا متكلسة تيبست تربتها ونضبت عيون مائها؟ الآن عنّ لك أن ترمينني في هذا الأتون المتأجج بيديك القويتين وتتركيني أتلظى بين صهد وصهد دون أن ترحمي شيبتي وضعفي؟ الآن تأتين من خلف الضباب الذي يحجب رؤيتي وأنت تباهين بحقولك الريانة المورقة أمام حقولي الجرداء التي صارت هشيما تذروه الرياح؟ الآن تجرئين على البروز علانية من بين فجاج العمر الزاحف نحو النهايات قد تساقطت أوراقه الواحدة تلو الأخرى دون قدرة للأغصان على الإيراق مجددا، لتعلنيها دون خوف أو تردد. ولم تفكري في ما سيخلفه كشط أظافرك لبقايا جلدتي الرقيقة؟
الآن حططْتِ ركائبكِ في أرضي الموحشة وتأتين ناثرة أنوثتك في مهرجان طفولي عابث، وتمرقين من بين جذوع الأشجار ضاجة بشبابك غير عابئة بأسراب الشيب التي وخطت فوديَّ وغزت ما بقي من سوادٍ في ذؤاباتي. وتقبلين نحوي عاصفة هوجاء تبعثرين ما أفنيت عمرا في لملمته؟ الآن بعد أن تساقطت القواطع والنواجذ والأضراس الواحدة تلو الأخرى في سباق محموم للتخلص من لثة أرهقها القضم والمضغ واللوْك، ولم يبق سوى فم أدرد لم يعد يجيد السيطرة على الحروف ولا القدرة على نطقها فتماثلت عنده السين والشين والثاء؟ الآن بعد أن عشي البصر وارتعشت الأصابع تخرجين مكللة بتيجان الشهوة ضاجة بأنوثتك وتقفين على حافات الرجاء والخوف والتردد تلوّحين إلي بيديك وأنت تنطين من ضفة إلى أخرى محمولة على أكف السعادة والمرح غير عابئة بتعثر خطواتي وقِصَر المسافة بين قدميّ ولهاثي وأنا أحاول جاهدا اللحاق بك؟
أراك تسبقينني وتصعدين إلى القمة وتتركينني عاجزا متسمرا في مكاني على السفح واضعا يدي فوق جبيني متقيا انعكاس أشعة وجهك على الأرض أمامي فتكاد تخطف بصري كبرق لاح في ليلة حالكة. هاأنت الآن تتبخترين رافلة في أردية الأميرات متوهجة بألق أنوثتك متألقة هازئة بعدد السنون التي عبرتُها، وغير عابئة بحجم أوجاع الدنو من النهايات والتحديق في هذه الهوة السحيقة التي صرت أدنو منها يوما بعد يوم.