في مرحلة التحوّلات التاريخية الكبرى الجارية اليوم في البلاد العربية، المتتابعة بسيروراتٍ مختلفة، وباحتمالات وصيرورات متنوّعة، وإن كانت لا تزال في مراحل انتقالية تفاعلية، ولم تستقر على نتائج بعد، فإنها تتطلب دوراً مركزياً للمثقفين العرب.
سيإن غياب المثقفين العرب عن المشهد الحالي الذي يقوم فيه الكيان الصهيوني بارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية في عدوانه على قطاع غزة، يعيد من جديد إثارة السؤال المتعلّق بأدوار المثقفين العرب في تاريخهم الراهن، في مجتمعات تتغيّر، ومخاطر مصيرية تتطلب مواقف واضحة، ومجابهة العدوان والقهر، والتصادم مع أنظمة الاستبداد، وقيادة نضال الجماهير لتحقيق أهدافها بالحرية، والعدالة، والكرامة، والمواطنة، والديمقراطية. وكذلك الوقوف إلى جانب الكفاح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لتمكينه من انتزاع حريته وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
منذ القدم كان المثقف صوت المجتمع الصادق وضميره اليقظ، والكثيرون منهم سددوا أثماناً فادحة لمواقفهم بدءاً من سقراط الذي أعدم بسبب أفكاره، عبوراً بقتل الشاعر الشهير الضرير "بشار بن برد العقيلي" ببيتين من الشعر، وفي التاريخ الإسلامي شهدنا ابن الهيثم، وابن رشد، والكندي، وابن سينا، والفارابي، وابن حيان. وعربياً عبد الرحمن الكواكبي، وعباس محمود العقاد، وطه حسين، وإدوارد سعيد، ومحمد عابد الجابري، عبد الوهاب المسيري، عبد الله العروي، محمد أركون، جورج طرابيشي، وسواهم المئات من المثقفين عبر العصور بسبب انشغالهم في قضايا واقعهم.