كتاب من تأليف الكاتب الصحفي اللبناني إميل خوري، صدر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في العام 2016، يرصد هذا العمل التطور التاريخي الذي طرأ على مجال الحروب والصراعات العسكرية وصولا إلى الأجيال الأخيرة والمعاصرة منها. وبرغم عدم موافقة بعض المراقبين والمتخصصين العسكريين على مصطلح "الجيل الخامس من الحروب" الذي استعمله المؤلف، إلا أن ما يعنينا في هذه المراجعة المختصرة هو تلقف الفروق الجوهرية بين الصراعات الكلاسيكية والحروب الحديثة، والوقوف على خصائص ومميزات الأخيرة.
أولا: الأجيال الكلاسيكية من الحروب
عمد المفكرون العسكريون إلى تأريخ الجيل الأول من الحروب الحديثة بدءا من سنة 1648 التي عرفت عقد معاهدة ويستفاليا مُنهية بذلك حقبة الحروب الدينية بأوروبا، بحيث مهدت لقيام واقع سياسي جديد تمثل في الدول الحديثة ذات السيادة، والحدود المرسومة التي لا يحق لأي دولة انتهاكها والاعتداء عليها. اتسمت حروب الجيل الأول باللباس الواضح الذي يميز الفريقين المتحاربين عن بعضهما، والذي تراعى فيه اعتبارات الجمال والفخامة للتأثير سلبا على القدرات المعنوية للعدو، بالإضافة إلى النظام والانضباط الشديد الذي يقطع الطريق أمام أي مبادرات فردية، دون إغفال أسلوب الحرب القائم على تقابل الجيشين في خط جبهة واحد وعبر كتلة بشرية متراصة بدل توزيع القوات على جبهات ومحاور قتالية متفرقة.
مرورا بحروب الجيل الثاني التي يمكن أن نؤرخ لها بحدث الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) التي عرفت إضافة خصائص جديدة مثل تكثيف قدرة إطلاق النار باستعمال المدفعية بحيث تتمكن من تدمير مواقع العدو وتحصيناته الدفاعية قبل مواجهته، بالإضافة إلى سرعة نقل وحركة الجنود (اختراع السكك الحديدية). أما الجيل الثالث من الحروب الذي استُهل عمليا بالحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) فمن أهم مميزاته السعي لمفاجأة الخصم بدل مواجهته بشكل مباشر من خلال "تعديل دائم لخط المواجهة، واستدراج الغريم إلى المواقع المعدة مسبقا بقصد المفاجأة". وفي المجمل، يشير الباحث إلى أن كل جيل يحتفظ بخصائص الجيل الذي سبقه، إذ نجد داخل الجيش الواحد وحدات كل منها يتخصص في تكتيكات جيل معين من الحروب كالمزج بين المبادرة الشخصية والانضباط.