في عبارة للفيلسوف الدنماركي الشاب سورين كيركجورد الاب الروحي للفلسفة الوجودية التي ألصقت به وهو لم يدع "ي" الانتساب لها ولا حتى بالتوصيف العابر قوله ( اننا لا نوجد لنتفلسف بل نتفلسف لنوجد. ولا تساوي الفلسفة شيئا إن لم تكن تعبيرا ووسيلة حياة في وقت معا) 1

الغريب ان الفلسفة الوجودية التي انبثقت في أعقاب الحرب العالمية الثانية واحتضرت سريريا في نهاية عقد الستينيات من القرن العشرين. انما تمركزت ادبياتها في مراحل تطورها اللاحق حول مفاهيم مطلقة مثل القلق والتأزم والانقذاف البشري غير الطوعي بالحياة، ولا معنى الحياة، وزيف الوجود، والوجود بلا موجود لا معنى له، والانسان نزوة طارئة في عالم لا معقول، والاخرون هم الجحيم، والانسان مسؤولية حرة يعيش حريته لاجل غيره الخ.

نفاجأ ان تكون نشأة الوجودية كما جاءت بعبارة كيركجورد انها تستمد تفكيرها من واقع الحياة والانسان في التزام متفرد غير معهود بتاريخ الفلسفة ومباحثها. فكر فلسفي وجودي اقرب الى التطبيق العملاني البراجماتي وليس تجريدا منطقيا لغويا سرديا بعيدا عن التجنيس الادبي واقعا انفراديا من التعبير السردي لا علاقة له لا بالانسان ولا بحياته وسط عالم يمور ويعج بمختلف الموجودات الطبيعية والظواهر والاحداث اليومية. بمختصر العبارة الوجودية فلسفة ليست تطبيقية سيسيولوجيا ولا تلتزم حياة الانسان ومصيره.

وجودية كيركجورد الفكرية البدئية وليست البدائية هي السعي نحو تحقيق الذات ليس كما فعل ديكارت تحقيق الذات انطولوجيا بوسيلة تفكير الذات المجرد عن موضوع تفكيره. واذا اراد كيركجورد تحقيق الذات من منطلق انها هي الفلسفة مؤكدا ان الذات والفلسفة لا قيمة لهما من غير ارتباطهما بمجرى الحياة الطبيعية للانسان.

كما واعتبر كيركجورد الذات لا تجد حقيقتها الا في حالة الاندماج الاحتوائي الكلي مع الفلسفة كوسيلة تعبير عن الحياة. ومن الغرابة ايضا نجد جورج مور بعد حوالي قرن من الزمان على انبثاق الفلسفة الوجودية واحتضارها السريري ومغادرتها المشهد الفلسفي نادى بهذا المطلب التوصيفي الوظائفي للفلسفة ان تكون للعامة بلغتها التواصلية المجتمعية وكان جورج مور حينها عضو حلقة اكسفورد في الوضعية المنطقية التحليلية الانكليزية بزعامة بيرتراند راسل التي انشق عنها جورج مور حين وجد اخفاق كل من نورث وايتهيد عالم اللغات وعضو الوضعية المنطقية التحليلية الانكليزية مع بيرتراند راسل محاولتهما تفسير اللغة في ربطها مع المنطق والرياضيات كعلم وفشلا بعد جهدهما الطويل المشترك ونتج عن محاولتهما الفاشلة تلك تاليف كتابهما (مباديء الرياضيات العامة 1906 ).

استرعاني التوقف عند مقولات فلسفية وجدتها خاطئة بتقديري جرت على لسان احد فلاسفة القرون الوسطى الاوربية وغيرهم سأتناولها بالتعليق النقدي التالي  تباعا.

  • "الوعي هو نوع من التحرر من الواقع".

الوعي ليس نتاج الواقع في تفسيره المجرد المباشر وبخلافه هذا يعني لا يمكننا تمييز احساسات الحواس التي هي نتاج الواقع وبين الوعي الذي هو فهم وتوصيف مقولات العقل عن موضوعات الواقع في التعبير عن كينونتها وعيا لغويا خارجيا..

فالوعي تجريد لا يدخل في تموضع معرفي مع مدركات العقل لموضوعاته. كما والوعي لا يدخل بعلاقة جدلية مع المدركات العقلية بصيغة ديالكتيك التضاد. الوعي لا يسبق الموجود ولا يحاول المداخلة معه خارج سلسلة المنظومة العقلية الادراكية التي تبدأ بالحواس في تسليم شبكة الاعصاب الاحساسات الانطباعية الواردة اليها من مدركاتها الحسية عن الواقع. الوعي فهم عقلي ثانوي على اسبقية الوجود وليس هناك علاقة جدلية غير منظورة مدركة بينهما اي بين الواقع والوعي.

الوعي لا يماثل الانطباعات الحسية الصادرة عن الواقع الخارجي التي تتحسسها الحواس وتتولى نقلها لشبكة اعصاب الذهن. الوعي ليس نتاج الواقع ولا حبيسه كي يتحرر منه. الواقع هو مركزية مصدر الادراكات العقلية بينما الوعي هو الفهم المعرفي الوارد من الدماغ في تعريفه لموضوعات ادراكاته في العالم الخارجي.

الوعي هو تجريد اجرائي لفهم ومعالجة المدركات بخلعه توصيفات العقل الفاهمة لها. الوعي مهمته إدراك موضوعات تفكير العقل هو واسطة نقل الوعي القصدي العقلي من مرحلة عملية إدراك الاشياء الى معرفة العقل لها معرفة قصدية. العقل لا يدرك الاشياء لمجرد تاكيد وجودها ولا لمجرد تأكيد ذاته الموجودية بدلالة موضوعاته المدركة المغايرة له بالمجانسة هي الصفات والجوهر..

العقل ليس جوهرا منفصلا عن الجسم، وان الخصائص العقلية تابعة للخصائص الفيزيائية... ويكيبيديا الموسوعة.
بالحقيقة هذه العبارة المبتورة تعتبر العقل ليس جوهرا منفصلا عن الجسم، وإن الخصائص العقلية التفكيرية تابعة لخصائصه الوظيفية الفيزيائية (للعقل) كعضو في تكوين أعضاء الجسم الذي يحتويه.، هذه العبارة تختصر مجلدا من المناقشات الفلسفية المتناحرة والمتناطحة مع بعضها بلا جدوى.

إذ دأبت مباحث الفلسفة منذ افلاطون وارسطو وديكارت اعتبار علاقة العقل بالجسم أنه جوهر غير فيزيائي منفصل عن الجسم ماهيته التفكير. لكن ما يجب الوقوف عنده بالعبارة أعلاه أن الخصائص العقلية التجريدية للعقل جوهر ماهيته التفكير هي علاقة جدلية مع الخصائص الفيزيائية للعقل على اعتباره عضو بايولوجي في جسم الانسان له وظائف فيزيائية خارج وداخل الجسم أخرى تتجاوز العقل جوهر ماهيته تفكير تجريدي منفصل عن الجسم.

حسب النزعة المثنوية أو الثنائية (علاقة العقل بالجسم) ترى العقل جوهرا مستقلا عن الجسم. في حين خالفهم الرأي بعضهم من أصحاب خصائص العقل البيولوجية الوظائفية الذين يرون العقل جوهرا غير منفصل عن الجسم. هم أصحاب النزعة الواحدية أن العقل والجسم ليسا كيانين وجوديين منفصلين إنما هما جوهر واحد في الإفصاح عن مدركات العالم الخارجي والعالم الداخلي للانسان. وتبّنى اسبينوزا هذا الرأي.

 طرح افلاطون في وقت مبكر تعريفه العقل من وجهة نظر فلسفية تعتبر ابنة عصرها قبل تقدّم مباحث العلم في دراسة وظائف الأعضاء وفلسفة العقل المعاصرة. قوله العقل لا يمكن شرحه بمصطلحات الجسم الفيزيائية، أي بمعنى أراد افلاطون حصر العقل ضمن مباحث الفلسفة كتجريد منطقي لغوي بعيدا عن علم وظائف الاعضاء بيولوجيا التي تركن فلسفة العقل التجريدية جانبا.

بتعبير ربما يكون أكثر وضوحا أن العقل في الوقت الذي هو جوهر ماهيته ملكة التفكير، فهو بنفس الوقت عضو بايولوجي من أعضاء الجسم يقوم بفاعليات ما لا حصر له تدخل ضمن خاصّية العقل الإدراكية ومسؤوليته المباشرة عن كل شيء يصدر عن الانسان من سلوك ومعرفة بالحياة والوجود خارج وداخل الجسم. بالحقيقة هذا الانقسام بين بنية العقل التجريدية الفكرية الفوقية بتعبير ماركسي، مع البنية الوظائفية البايولوجية التحتانية للعقل كعضو تحتويه الجمجمة في غير حصر جوهر العقل أنه تجريد تفكيري لغوي ، يجعل من رأي أصحاب مذهب الواحدية في علاقة ارتباط العقل بالجسم من جهة وعلاقة انقسام العقل على نفسه أنه ليس خاصّية لغوية إدراكية تجريدية من جهة ثانية صحيحا ، وأن العقل تكوين بايولوجي له وظائف علائقية بالجسم بما لا يمكن حصره وهو يتجاوز تعريف العقل أنه خاصّية تفكيرية تجريدية غير مادية.

مقدمة
"إن كلام الفيلسوف الذي لا يشفي أي معاناة للإنسان باطل." أبيقور
إن الفلسفة، كما تُمارس اليوم، مجردة ونظرية ومنفصلة عن الحياة، وهي مجرد موضوع أكاديمي واحد من بين موضوعات أخرى. وفي العالم اليوناني الروماني، كانت الفلسفة مختلفة تمامًا، كما يزعم الفيلسوف الفرنسي بيير هادوت. كانت الفلسفة أسلوب حياة. ولم تكن مجرد موضوع للدراسة، بل كانت تُعتبر فنًا للعيش، وممارسة تهدف إلى تخفيف المعاناة وتشكيل الذات وإعادة تشكيلها وفقًا لمثال الحكمة؛ "هذا هو درس الفلسفة القديمة: دعوة لكل إنسان لتحويل نفسه. الفلسفة هي تحول، وتحويل لطريقة وجود المرء وعيشه، وسعي إلى الحكمة." إن ممارسة ما يسميه هادوت "التمارين الروحية" هي التي تؤدي إلى تحول الذات وتجعل الفلسفة أسلوب حياة. فهل فعل التفلسف هو مجرد تأمل ميتافيزيقي أم رعاية بالذات؟ وهل هو جهد نظري أم مسلكية تطبيقية؟
المدارس القديمة
بالنسبة لليونانيين والرومان، كان ممارسة الفلسفة تعني اختيار مدرسة وتبني أسلوب حياتهم. وكان ذلك يشمل ما يمكن أن نطلق عليه اليوم التحول الديني. "المدرسة الفلسفية ... تطلب من الفرد تغييرًا كاملاً في نمط حياته، وتحويل كيانه بالكامل، والرغبة في أن يكون ويعيش بطريقة خاصة". لقد كان لكل مدرسة مجموعة خاصة بها من التمارين الروحية التي تتوافق مع المثل العليا للحكمة الخاصة بها. كانت التمارين التي مارسها الطلاب هي تلك التي لا نزال نربطها بالدراسة الأكاديمية أي القراءة والكتابة والبحث والحوار. لكنهم استخدموا أيضًا تمارين نحددها بالمنظمات الدينية أو الروحية، على سبيل المثال تمارين ضبط النفس، والعلاجات لتهدئة المشاعر، وفحص الذات، والتأمل، وحفظ مبادئ المدرسة. كما يجب أن نلاحظ أن صورة هادو للفلسفة القديمة هي وصف أكثر دقة للفلسفة كما مارسها سقراط والمدارس الهلنستية للرواقية والأبيقورية وليس مدارس أفلاطون وأرسطو.
تاريخ التمارين الروحية
في عام 529 م، أغلق الإمبراطور المسيحي جستنيان الأكاديمية الأثينية، وهي مدرسة أفلاطونية جديدة، وأنهى تعليم الفلسفة الكلاسيكية في الغرب. والآن أصبحت المسيحية وحدها تعتبر أسلوب حياة، وانخفضت الفلسفة إلى كونها خادمة لعلم اللاهوت، وتوفر اللغة والمفاهيم الفلسفية للدفاع عن عقائد الكنيسة. أصبحت التمارين الروحية للفلسفة جزءًا من الروحانية المسيحية. يزعم هادو أن تمارين القديس إغناطيوس لويولا وتوماس كامبيس ليست سوى تبني مسيحي لهذه الممارسات القديمة. وبدلاً من الحكمة، أصبح تقليد المسيح هو المثل الأعلى الذي شكل الممارسة الروحية. "بكلمات بولس "سأهلك حكمة الحكماء... اليونانيون يطلبون الحكمة، أما نحن فنكرز بالمسيح المصلوب...". بالنسبة لهادوت، فإن فقر الفلسفة الحديثة هو نتيجة التخلي عن التمارين الروحية. ومع تراجع المسيحية وصعود العلمانية، كان هناك ظهور جديد للفلسفة التي يُفهَم أنها أسلوب حياة. ويمكن رؤية هذا في أعمال فلاسفة مثل مونتاني، وكيركيجارد، ونيتشه، وهيدجر وفوكو ودولوز وريكور وهادوت.

الترجمة:
" لن ينتهي مارتن هيدجر أبدًا من الكتابة عن فريدريك نيتشه. بعد عمله الذي لا يُنسى بعنوان نيتشه، إليكم طبعة جديدة حول السؤال الإشكالي للغاية المتمثل في الميتافيزيقا في عمل مؤلف هكذا تحدث زرادشت. هذا عمل آسر تمامًا يجمع بين نص عن إكمال الميتافيزيقا التي قام به نيتشه وفقًا لهيدجر ونص متقاطع بين مفكر وشاعر: نيتشه وهولدرلين. ولذلك يجمع هذا العمل بين دورتين دراسيتين أراد هيدجر نشرهما معًا.

الأول: أن «ميتافيزيقا نيتشه» لا تقدم نفسها كعرض للمذهب، بل تقودنا إلى فهم كيف أن فكر نيتشه تحركه الميتافيزيقا بالكامل، إلى درجة أنها تعطيه وجهه النهائي وصورته المكتملة. في الواقع، بينما يدعي نيتشه أنه البادئ لبداية جديدة حقًا في الفلسفة، فإن هيدجر يرى فيه، على العكس من ذلك، الإنجاز المهيب والمثير للقلق للميتافيزيقا الغربية. من خلال الأولوية التي يفترضها مفهوم القيمة هنا، من خلال المحو الكامل لفكرة الوجود، من خلال مفهوم إرادة الاقتدار حيث يبلغ ذروته ادعاء الذات بـ "إيواء" الكائن وفقًا للمعايير المخططة للوجود. مع التكنولوجيا، واعتذار الإنسان الأعلى (الذي يؤكد الطموحات الفانية للذات)، وأخيرًا جميع الأحكام المسبقة التي يتم من خلالها نقل اللافكر في التقليد الميتافيزيقي، فإن فلسفة نيتشه، وفقًا لهيدجر، ستنتمي إلى تاريخ " "نسيان الوجود" الذي يحدد في نظره ماهية هذه الميتافيزيقا. إن فاحص كتابات نيتشه يجد صعوبة في دعم مثل هذه القراءة، التي يمكن الإعجاب بنطاقها وغناها وثرائها.

ماذا عن الحقيقة والحرية عند جورج فيلهلم فرديريش هيجل (1770-1831)؟ بطرح هذا السؤال تعطى الانطلاقة للمرحلة السادسة من هذه الجولة التي ظهرت لي في بادئ الأمر كمحاولة أو بالأحرى كمغامرة محفوفة بالمخاطر. إلا أن القارئ، وقد استمر متابعا لأطوار الرحلة منذ بدايتها حتى الآن لن يفوته أن يلاحظ أن صعوبة هذا البحث تصاعدت حدتها شيئا فشيئا إلى أن واجهنا، عند طرق باب هايدجر، جبلا هائلا لم نخترقه إلا بعد وقت طويل وجهك جهيد.
مما لا شك فيه أن الوقوف على مجمل تعاريف الحقيقة عند هيجل لن يكون ممكنا إلا انطلاقا من قراءة كتابه الموسوم ب"فينومينولوجيا الروح". يعرض هذا المؤلف، سيريل أرنو، الأشكال المتعاقبة التي اتخذها العقل في انتشاره الذاتي نحو المعرفة المطلقة: اليقين الحسي، الإدراك، الفهم... والعملية الجدلية التي يتم بها الانتقال من شكل إلى آخر. نحن الآن في حضرة أول عمل رئيسي لهيجل، كان له تأثير كبير قوي في تاريخ الفلسفة.
يجب أن ندرك، يتابع سيريل، كم نحن محظوظون: لقد مرت بضعة عقود فقط منذ أن تمت قراءة نص كتاب "فينومينولوجيا الروح" باللغة الفرنسية. كان لا بد من انتظار أكثر من مائة وثلاثين عاما حتى ترى الترجمة الأولى النور: تعني بها ترجمة جان هيبوليت، في 1939-1941، الذي امتلك الشجاعة لمعالجة هذه التحفة. حتى ذلك الحين، لم يكن هيجل معروفًا في فرنسا إلا من خلال موسوعة العلوم الفلسفية، وكتاب يسهل كثيرا على الجمهور الولوج إليه؛ ألا وهو "الإستيطيقا".
إذا كان هيبولوت قد أقدم على إنجاز مثل مثل هذا المشروع، فذلك لأن الفرصة سنحت له لمتابعة محاضرات الكسندر كوجيف في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا خلال ثلاثينيات القرن العشرين. يمكن القول إن الأخير هو أحد المهندسين الرئيسيين لإدخال هيجل إلى فرنسا، بعد أن عمل جاهدا من أجل تلقي فكره من قبل الجمهور الناطق بالفرنسية.
هيغل نفسه لم يساعد الأجيال القادمة على الاهتمام بهذا العمل. العنوان الأصلي للكتاب "النسق العلمي"، وعنوانه الفرعي: "الجزء الأول، ظواهر الروح"، منحا دورا شرفيا لهذا المصتف، في اقتصاد النسق الهيجلي: إنه كتاب لا مناص من قراءته لكل من أراد الإلمام يفلسفة كاتبه.
لكن الجزء الثاني لن يكتب له أن رأى النور. وبدلاً من ذلك، كتب هيغل (بعد "المنطق" و"مبادئ فلسفة الحق") "موسوعة العلوم الفلسفية"، والتي أعادت التفكير بطرق جديدة في اقتصاد النسق الهيجلي. بالفعل، في هذا الكتاب، لم تعد الفينومينولوجيا تعتبر الجزء الأول، بل جزء فرعيا بسيطا من قسم من الجزء الثالث من النسق كمل، بعنوان “فلسفة العقل”. ومن ثم فقد تم إبعادها إلى مكان ثانوي، في النسق الذي أعاد هيجل تصميمه. هذا، بالإضافة إلى الطبيعة المتأخرة لترجمتها، يمكن أن يجعل المرء يعتقد أن "فينومينولوجيا الروح" عمل ثانوي.

إن هبة الموجود من قبل الوجود كأساس محايث ليست سوى الجانب الجوهري من هبة أكثر أصالة، متعالية وحرة بالمطلق، من ذاك الذي يبقى "غير مسمى"، إذن فهذه مصداقية التأويل المصوغ هنا وفقا لبرتراند ريو تجد سندها في التحليل الذي أجرته مارلين زارادر حول الدين (يتسكين الياء) غير المفكر فيه عند هايدجر. هل من الوهم إذا شعرنا بأن عمل هايدجر تخترقه شحنة صوفية لا يمكن إنكارها؟ القاموس الذي يستخدمه، المليئ بالأصداء الدينية، هل يمكنه الارتباط بالوجود المحدود والتاريخي دون أن يخفي الأخير ما وراء كل التاريخ؟ وعندما يعتبر الإنسان حارس أو انفراجة الوجود، الذي أسندت إليه الاستجابة إلى هذه الهبة الحرة للوجود، الذي لا يوجد منفتحا إلا في التعرض للوجود، الذي يجب أن يرحب بفرح وامتنان بنعمة الوجود، كيف لا يمكننا استحضار الرجل المتدين الذي وضع نفسه تحت تصرف إلهه؟ ومع ذلك، إذا عدنا إلى تاريخ الفكر الأوروبي، نجد حينها أن السؤال عن الوجود، من حيث هو سؤال عن وجود الموجود، يطرح بصيغتين. يقتصي أولاً مع أرسطو: ما هو بشكل عام الموجود من حيث هو موجود؟ الاعتبارات المتعلقة بهذا السؤال تنتظم ضمن نطاق تاريخ الفلسفة تحت عنوان: الأنطولوجيا.
لكن السؤال: "ما هو الوجود؟" يقتضي أيضا: ما هو الموجود بمعنى الموجود الأسمى وكيف هو موجود؟ وهذا الموجود بمعنى الموجود الأسمى، نسميه: "الوجود" في حقيقته الخالصة. هكذا تفكر الميتافيزيقا في الموجود ضمن كينونته. تجد هذا الموجود في الإلهي، الذي يكمن في ذاته، اللاهوت. بهذه الطريقة لم تعد الميتافيزيقا التاسيس الوحيد للموجود في الوجود، أنطولوجيا، بل هي كذلك تأسيس الوجود في موجود أسمى، الإلهي، وبالتالي في اللاهوت (théologie). ولأنها بشكل عام تعطي الأساس، فهي Iogie-. بهذه الطريقة هي أنطو-ثيو-لوجيا.
من اللازم أن يتم بوضوح إحالة الطابع المزدوج للسؤال عن الوجود إلى الطريقة التي ينكشف بها وجود الموجود. ينكشف الوجود في خاصية نسميها الأساس (Gründ). الموجود بشكل عام هو الأساس بمعنى القاعدة (Boden) التي يقوم عليها كل اعتبار لاحق للموجود. الموجود من حيث هو موجود أسمى هو الأساس بمعنى ما يؤدي إلى وجود كل موجود. في سياق تاريخ التساؤل الأنطو-ثيو-لوجي، ظهرت، إلى جانب مهمة تبيان طببعة الموجود الأسمى، مهمة أخرى لإظهار أن الأكثر موجودا في الموجود هو أن الله موجود.
تشير مصطلحات الوجود (Existenz)، والوجود-هنا (Dasein)، والواقع (Wirklichkeit) إلى نمط من أنماط الوجود. لا حاجة بنا إلى القول إن هايدجر، وقد توصل إلى قول، فهم معنى الوجود أو حقيقة الوجود، يعبئ في الوقت نفسه جسده، مدافعا عن حقيقة الله، وجوده، وأنه أساس كل شيء؛ لأنه بالنسبة للمسيحي كينونة = وجود. لذلك سوف نجازف بالمعادلات التالية.

تمهيد
تلعب الفلسفة دورًا حاسمًا في تحليل الخطاب من خلال توفير النظريات الأساسية والمفاهيم والمنظورات النقدية التي تساعد في استجواب طبيعة اللغة والمعنى والتواصل. تساهم المناهج الفلسفية في فهم الآثار العميقة للخطاب، بما في ذلك أبعاده الأخلاقية والمعرفية والوجودية. من خلال دمج الرؤى الفلسفية، يمكن لمحللي الخطاب استكشاف كيفية بناء اللغة للواقع، والتأثير على الفكر، وتشكيل التفاعلات الاجتماعية وديناميكيات القوة. إن الفلسفة تثري تحليل الخطاب بشكل كبير من خلال توفير النظريات الأساسية والمنظورات النقدية التي تعمق فهمنا للغة والمعنى والتواصل. ومن خلال دمج الرؤى الفلسفية من التأويل والنظرية النقدية وما بعد البنيوية والايتيقا وفلسفة اللغة، يمكن لمحللي الخطاب استكشاف آثار الخطاب، بما في ذلك دوره في بناء الحقائق الاجتماعية وديناميكيات القوة. ويعزز هذا المنهج متعدد التخصصات تحليل الخطاب، ويقدم رؤى عميقة حول الطرق التي تشكل بها اللغة الفكر والتفاعل الاجتماعي.

التفكير الفلسفي

كمصطلح متخصص يشير إلى نظام فكري (وهو موضوع التدريس والنشر)، يتم استخدام كلمة الفلسفة إما بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع، للإشارة إلى المذاهب أو الأنظمة الفلسفية لأفلاطون وأرسطو وسبينوزا وهيغل، وما إلى ذلك. على أية حال، سنرى أنه لا يمكن تحديد تعريفه بشكل لا لبس فيه. "التعريف" هو تقييد ، كلمة"horizein" في اليونانية تعني رسم الحدود. إن تنوع استخدامات المصطلح واتساع الصور الرمزية التاريخية التي يغطيها يكفي لشرح مشكلة تعريفه. وكما يملي المنطق والتفكير الفلسفي، قبل أن نحاول تحديد ماهية المفهوم الفلسفي، يجب علينا أولا أن نعرف أصوله، وحتى نشأته وتاريخه، ثم تحديد خصوصيته بالنسبة لأنظمة الفكر الأخرى في العالم وهي: الأسطورة والدين والعلم، لننتهي في النهاية إلى تحديد قضاياه ومنظوره وهدفه. فماهي رهانات ووجهات نظر ومقاصد الفلسفة؟
إن الحديث عن رهانات ووجهات نظر ومقاصد من التفكير الفلسفي هو بمثابة رؤية فائدته وعدم جدواه.
إن فائدة الفلسفة وعدم جدواها هي قصة قديمة لا تزال محتدمة حتى اليوم. ومع ذلك، في عالم يحتل فيه التقدم في العلوم والتكنولوجيا مكانة مهمة، ألن يتم تأجيل فائدة الفلسفة إلى الموقد الخلفي؟

هل تراجعت اللغة كنسق نظامي مستقل في تعبيرها عن الوجود؟، وهل اصبحت جوهرا محايدا في فلسفة اللغة وتيارات فلاسفة التاويلية والتفكيكية والتحليلية في تعبيراللغة عن المعنى الدال وتراجعت مهمة التواصل المجتمعي الى مرتبة ثانوية في خلق عوالمها الموازية لعالم الواقع الحقيقي لا تقاطعه ولا تحتدم معه بصراع ولا تتلاشى فيه كتكوين تجديدي اضافي؟

هل تنازلت اللغة عن مهمتها في تحقيقها الإدراك الشيئي القائم على مطابقة الدال اللغوي مع المدلول الشيئي مطابقة تامة تجعل من المدركات الشيئية بديهيات معرفية لا تقبل التشكيك بها ولا تحتاج تجربة اثبات، بعدما إكتسبت تلك الاشياء البداهة الموجودية في مطابقة الدلالة اللغوية مع وجودها الشيئي زمكانيا.؟

فلسفة اللغة أدخلت مبحث اللغة في دوامة من المتناقضات التي اعتبرها فلاسفة اللغة وعلوم اللسانيات وفلاسفة مبدأ التحول اللغوي علي يد كل من  فريجة ودي سوسير ، وفلاسفة اللغة ، ونظرية القراءة الجديدة وحفريات النص في تقصّي البحث عن فائض المعنى اللغوي. 

المعنى غير المكتشف في ثنايا تداولية اللغة بمثابة محاولة عملية إنقاذ فاشلة لمباحث الفلسفة من تقليديتها الخاوية المفرغة في مرحلة الاحتضار والموت البطيء التي كانت تعانيه طيلة قرون طويلة في دورانها المتمركز حول الميتافيزيقا والمعرفة والوجود والطبيعة والعلاقات البينية بين تلك المباحث وغيرها. ما اقصده هنا هو تشخيص الاعتلال والمرض لا يعني إمكانية معالجة الشفاء منه كما حاولته تيارات ومدارس فلسفة اللغة والتحويل اللغوي بلوغه.

الحقيقة التي لا يمكن القفز من فوقها أن التيارات الفلسفية التي عمّت وسادت اوربا وامريكا بعد أفول نجم البنيوية التي رافقت بكل إمكاناتها طروحات مرحلة ما بعد الحداثة، لم تحقق الطموح الذي كانت تتوخاه من عملية التحول اللغوي وإعتماد علوم اللسانيات وفلسفة اللغة وما يتفرع عنها في محاولة إدخال فلسفة اللغة في كل مبحث فلسفي أو مبحث معرفي حتى وصل الحد تجاوزإدخال الفلسفة بعلوم الفيزياء الى إدخالها في علوم الرياضيات وباقي العلوم الطبيعية التي تمتلك خصائصها النوعية التي تقاطع منطق تجريد الفلسفة تماما. ليس في إختلاف شكلية التعبير اللغوي بين الفلسفة التي تعتمد اللغة الابجدية الصوتية ، وبين العلوم الطبيعية التي يكون تعبيرها اللغوي هو علامات ورموز ما يسمى بالمعادلات الرياضية ونتاج التجربة المختبرية . إنما الإختلاف أبعد من ذلك حول إهتمامات ما يشغل التفكير العلمي في تقاطعه مع ما يشغل مباحث الفلسفة.

تمهيد

سادت بين هيجل وشوبنهاور علاقة عداوة وبغضاء كان الخاسر الاكبر فيها شوبنهاور في عدم إمكانيته مجاراة خصمه اللدود هيجل، وأخذ شوبنهور إستفزاز هيجل في الجامعة في محاولته تأليب الطلبة عليه في جعله توقيتات محاضراته هي في نفس مواقيت محاضرات هيجل، في مسعى تأكيد فرادته العبقرية الفلسفية وفشل بمسعاه، وأصدر كتابه الشهير (العالم إرادة وتمّثل ) أراد التفلسف به، فلم يلق الكتاب أدنى إهتمام لا يستحقه أصلا إلا بعد مرور فترة طويلة من رد ألاعتبار له بعد وفاة هيجل. وفي هذه المقالة أستكمل مناقشة بعض آراء فيلسوف الارادة شوبنهور، بعد أن تناولته بمقالة سابقة نشرت لي بعنوان ( فلسفة شوبنهاور وبؤس الإرادة ).

هيجل والمطلق

عندما يقول هيجل الفن والجميل هو الوجود الحسّي في المطلق. نجد كم كان هيجل عميقا في أفكاره الفلسفية الثاقبة رغم نزعته المثالية، فهو يعتبر العقل  هو الروح المطلقة أو الفكرة المطلقة في إدراكها المتناهي محاولة الوصول لمرحلة أدراكها المطلق اللامتناهي، إذ يعتبر هيجل المطلق ليس مفهوما ميتافيزيقيا متواريا خلف محدودية إدراك العقل البشري أن يطاله. بل المطلق هو فكرة لا محدودة ولا متناهية في إدراكها موجودات الطبيعة بنفس آلية ممكنات إدراكها ما هو غير مادي ولا متعّين لا يدرك بالحدس الحسّي المباشر.

ولا فرق عند هيجل بين محدودية الإدراك الذاتي عن إدراك فكرة المطلق الذي لا يعتمده هيجل ولا يتعامل معه ميتافيزيقيا. ويبدو من فلسفة هيجل أنه لا يتنكر لوجهة النظر الفلسفية التي ترى الانسان وجودا وجوهرا ميتافيزيقيا لا يمكن نزعها ولا مصادرتها منه.

المطلق المدرك عقليا حسب الفهم الهيجلي هو الإمكانية غير المحدودة في إدراكها اللامتناهي في تفعيل الخيال بدلالة العقل في محاولة الوصول الى مابعد اللغة والتعالي على محدودية الادراك الحسي. وضرب هيجل مثلا على ذلك الفن والجمال بمقولته الفلسفية " أنّه الوجود الحسّي في المطلق" بمعنى الوجود الحسّي هو إدراك ذاتي ليس غايته إثبات وجود الذات الانطولوجي بالمغايرة المادية أو غير المادية الخيالية، بل هو إدراك مطلق الوجود ورغبة وصول إدراك (الانا) تخوم ما يعجز بلوغه العقل في محدوديته الإدراكية خارج بلوغ فكرة المطلق والوصول له بالعقل الخيالي لا بغيره الذي يعبر المتّعينات الكينونية التي تحّد من إنطلاقة الحس الإدراكي المحدود أنطولوجيا. فالمتصّور الخيالي للمطلق هو تحقق وجود العقل في إدراكه ألاشياء بالطبيعة وفي والكوني معا.

تمهيد
ثيودور لودفيج فيزنجروند-أدورنو هو فيلسوف وعالم اجتماع وملحن وعالم موسيقى ألماني. ولد لأب من عائلة يهودية ألمانية، أوسكار ألكسندر فيزنغروند، تاجر، وأم فرنسية كاثوليكية ماريا كالفيلي أدورنو ديلا بيانا، مغنية. كان أدورنو طالبًا في مجال التأليف لدى ألبان بيرج، وهاجر مع ظهور النازية إلى إنجلترا ثم إلى الولايات المتحدة، حيث تعاون بشكل وثيق مع عمل معهد البحوث الاجتماعية الذي أسسه ماكس هوركهايمر، وكتب العديد من الأعمال الفلسفية. ويلعب دور المستشار الموسيقي لتوماس مان في روايته "الدكتور فاوستس". عاد إلى فرانكفورت في عام 1949، وأصبح أستاذًا جامعيًا، ومديرًا لمعهد البحوث الاجتماعية، ومن عام 1963 إلى عام 1967، رئيسًا للجمعية الاجتماعية الألمانية. عضو بارز (مع ماكس هوركهايمر) في مدرسة فرانكفورت، التي تحاول تحت شعار "النظرية النقدية" مواجهة التفكير الفلسفي والتاريخي والاجتماعي الألماني الكلاسيكي بالتعاليم المشتركة للماركسية والتحليل النفسي، وهو يكرس نفسه بشكل كبير لـ علم اجتماع الاستهلاك الثقافي والإبداع الفني، تحت تأثير وسائل الاتصال الجماهيري بشكل خاص، مع التركيز بشكل خاص على الموسيقى.

الترجمة

لقد طور أدورنو وغيره من منظري مدرسة فرانكفورت نظرية الاغتراب في فلسفة كارل ماركس وطبقها على السياقات الاجتماعية الثقافية. لقد انتقد التفسير الميكانيكي للماركسية باعتبارها "نظرية علمية"، والتي قدمها منظرو "المعتمدون" في الاتحاد السوفييتي. لقد زعم أدورنو أن الرأسمالية المتقدمة تختلف عن الرأسمالية المبكرة، وبالتالي فإن النظرية الماركسية القابلة للتطبيق على الرأسمالية المبكرة لا تنطبق على الرأسمالية المتقدمة. وعلاوة على ذلك، فقد أكد أن "تحويل" أو "تسليع" الحياة البشرية يجب أن يكون القضية الأساسية للماركسية. لقد تأثر أدورنو إلى حد كبير بتطبيق والتر بنيامين لفكر كارل ماركس. لقد زعم أدورنو، إلى جانب منظرين آخرين من مدرسة فرانكفورت مثل هوركهايمر وماركوز، أن الرأسمالية المتقدمة كانت قادرة على احتواء أو تصفية القوى التي من شأنها أن تؤدي إلى انهيارها وأن اللحظة الثورية، عندما كان من الممكن تحويلها إلى اشتراكية، قد مرت. لقد زعم أدورنو أن الرأسمالية أصبحت أكثر ترسخًا من خلال هجومها على الأساس الموضوعي للوعي الثوري ومن خلال تصفية الفردية التي كانت تشكل أساس الوعي النقدي. لقد ركزت أعمال أدورنو على الفن والأدب والموسيقى كمجالات رئيسية للنقد الحسي غير المباشر للثقافة الراسخة وأنماط التفكير المتحجرة.