
إن ما يبرر اهتمامنا بمسألة المواطن من خلال كتاب ماركوز" الإنسان ذو البعد الواحد" أن ماركوز-باعتبار انتمائه لمدرسة فرانكفورت النقدية –تسعى للكشف عن تحول العلم والتقنية إلى إيديولوجيا أمكن من خلالها أحكام قبضتها على الإنسان ، وتحويل عقله من عقل أنواري إلى مجرد عقل أداتي . وقد نجح ماركوز في الكشف عن عنف الاستغلال النسقي للطبيعة والإنسان. فالفكر تم احتواؤه من قبل السلطة وجرد من حق الرفض وأصبح سلعة واللغة بدورها تشيأت ولم تعد تمثل مأوى الوجود ومسكنه وإنما أداة للإشهار السلعي تمر عبره تربية الجمهور وتطويعهم مما يهيئ لحمق سياسي . وتم تسخير العلم لممارسة التسلط التي ازدادت حدتها في الواقع الاجتماعي ،فإرساء قوانين عامة للظواهر الطبيعية تلاه نقل القالب نفسه الذي مهد لإخضاع الشعوب وفقا لمراسيم وقوانين المستبدين ،وإخضاع المواطنين لأوامره وقوالبه مجندا إياهم تجنيدا شموليا تنظمهم على الشاكلة نفسها وتتحكم بهم قسرا .وحتى العلوم الإنسانية لم تسلم هي الأخرى من التسخير من طرف السلطات السياسية والاقتصادية ."فمثل هذا المجتمع قد يتطلب تقبل مبادئه ومؤسساته.فلا يعود من دور للمعارضة غير مناقشة
الاختيارات والحلول السياسية البديلة والبحث عنها داخل الوضع القائم وسواء كان النظام مستبدا أم غير مستبد، فليس لذلك من أهمية مادام يعمل على التلبية المتدرجة للحاجيات."ص38
إن هذه الصورة الحقيقية للمواطن في عصر التقنية هي التي دفعتنا لاختيار كتاب "الإنسان ذو البعد الواحد "من أجل اختبار الوضع الحقيقي للمواطن،خاصة ونحن نشهد عصرا يكثر فيه الحديث عن حقوق المواطن داخل الدولة وضرورة احترام مبدأ المواطنة حتى أصبح تقدم الدول وحداثتها مرهون بمدى استجابتها لاحترام مواطنيها. فهل نجد حقا مثل هذا التقديس للإنسان والمواطن بصفة خاصة داخل الدول الصناعية أم أن مواطن هذه الدول حاله حال المجتمعات النامية يعيش اضطهادا وتهميشا تحجبه غشاوة السعادة التي خرجت من معطف صناعة التسلية والترفيه وثقافة الاستهلاك؟
لما كانت المواطنة هما فلسفيا بامتياز انشغل بها مؤسسو الفلسفة السياسية الحديثة واعتبروها من مقومات الدولة الحديثة نظرا لارتباطها بقيم الحرية والمساواة والمسؤولية وابتغاء الخير العام ، فإنه لابد من ربطها بأصلها وهو الإنسان حتى نفهم مدى استجابة فكرة المواطن لطموح الإنسان في أن يعيش الحرية والعدالة والمساواة. وهو ما يدفعنا للبحث والتساؤل عن طبيعة علاقة الإنسان بالمواطن .