Abstract-001" على الانسان نفسه أن يمسك بيده القياد العام للإنسانية وعلى علمه بكل شيء أن يتيقظ كي يسهر منذ الآن على مصير الحضارة."[1]
انحرفت الثورة العربية عن مسارها السلمي الذي بدأت به وميزها عن سابقتها من الثورات وتحولت عنوة ودون ارادتها ونتيجة السياق القبلي والمذهبي الذي تفجرت فيه الى نوع من الكفاح المسلح ضد الأنظمة الحاكمة وانقسام داخل القوة المسيطرة نفسها والتقى فيها المطلب الشعبي باسقاط النظام وتوفير الشغل باستحقاق ورفع الاحتقار والتهميش بالنسبة لبعض الأقليات بمطالب بعض الدوائر الغربية بضرورة التغيير والتخلص من أنظمة متنطعة ومدرجة الى وقت قريب ضمن محو الشر والدول المارقة من وجهة نظر النظام الدولي.
ان المثير للعجب في الربيع الثوري هو سلمية الاحتجاجات الشعبية وتحضر التحركات في الشارع والتنظيم الذي تتبعه المسيرات والاعتصامات وان الذي يدعو الاحتراس والتخوف ويبعث عن الانشغال هو المنزع الحربي الذي انجرفت اليه وما يولد من لاتسامح وتصفية حسابات واسالة للدماء واهدار للأرواح وتشتت داخلي وانقسام سياسي حاد بين الفرقاء.
من المعلوم أن الثوار ينتمون الى عموم الناس وأن النخب المثقفة لم تكن فاعلة وريادية وانما التحقت بالثورة بعد حين وكان تواجدها محتشم في بعض الأحيان بالرغم من أن الثقافة الثورية كانت السلاح الذي استنجد به الشعب من أجل ارادة الحياة والتخلص من الطغاة والفساد. ولكن المثقف العربي ظل يتأرجح بين موقفين لم يقدر على حسم أموره بينهما، الموقف الأول هو مناصرة الثورة وبالتالي تأكيد الانتماء الى الأمة والتجذر في الشعب ومعاداة السلطة القائمة واسقاط الشرعية عنها بحكم فسادها ولاديمقراطيتها وترهلها.

Syria-revolutionكان لابد للشعب السوري أن ينتفض ضد الفساد والطغيان والاستبداد والتخلف الذي كرسه نظام البعث. وكان لابد لهذا الشعب أن يسقط قناع المقاومة والقومية الذي استطاع هذا النظام أن يتقنع به لعقود كي يبقى على رأس السلطة ويطبق على شعب الشام العظيم الذي قدم الكثير من أجل إعلاء كلمة الحق والدفاع عن الأمة منذ ظهور الدولة العربية الإسلامية التي عمرت لقرون عديدة .
لقد سقط قناع المقاومة مباشرة عن هذا النظام عندما استباح دماء شعبه وأهدر أول قطرة دم زكية من الشعب السوري. سقط قناع المقاومة عندما وجه بندقية الجيش العربي السوري لحمايته لا لحماية الديار والأهل والوطن. سقط قناع المقاومة عندما ذبح الأطفال والنساء والعجائز بينما الجولان يحتله الصهاينة ويعيثون فيه فسادا منذ عقود من الزمن ولم يحرك ساكنا. بل سقط قناع المقاومة عن حلفائه الآخرين في إيران ولبنان عندما ساندوه في قتل الشعب السوري وأصبح خطابهم عن هذه المقاومة غريبا ووراءه ما وراءه، خاصة وأننا لا نرى هذه المقاومة إلا في المحطات الانتخابية والسياسية الكبرى في لبنان وإيران أو في القدس المحتلة نفسها .

MAROC20في الوقت الراهن لا يجب التفكير خارج السياق الذي يشهده الوطن العربي برمته، فرغم أن الثورات أعادت رسم معالم الخريطة السياسية على أساس الطابع الاحتجاجي فان مقومات هذا التفكير يجب أن تنساق إلى كيفية إيجاد المشروعية التي ستحدد حدود هذه الخريطة، وتتمثل في إعادة ربط العلاقة بين الشارع وبين السلطة السياسية، إلا أن هذا الشارع لا يمكنه تحقيق مآربه إذا لم يضع ثقته في احد الأحزاب أو المؤسسات أو سلطته الحاكمة بمنحها مشروعيته. لكن ما الذي يعيق منح هذه المشروعية ؟

يشكل الجانب السوسيو-اقتصادي في المغرب أحد العوامل التي تساهم في تباعد السلطة السياسية عن محكوميها، حيث يشمل غياب هذه السلطة ومعها القوى السياسية عن ما هو اجتماعي-اقتصادي وانشغالها بما هو ديني -اعتقادي يضمن لها استمراريتها التحكمية. وتنحصر ممارساتها في الشأن الديني على حساب الخـَصاص الديني، ففي الوقت الذي خاض المغرب تجارب لنظم الحكم منها الإسلام الشعبي (الصوفي) والإسلام الشرعي (السلفي) ومدى التصارع بين هذين التياران المتباعدين حاول بعدها أن يؤسس لنظام يوازن في تصورات الفكر الديني كل الفئات، لكنه في نفس الوقت لم ينجح إلا في الانفراد بالدين كأحد تمظهرات نظام الحكم لا يحق لغيره التزايد على أحقيته أو عن تمثيليته. كلفه هذا بطبيعة الحال جهدا كثيفا لمحاولة خلق هذه التوازنات بدعم مجالات انتشاره (وتحت إشرافه، وبتكريس الطابع الرسمي على الممارسات الدينية (وزارة الأوقاف، المجالس العلمية، الندوات والبرامج الإعلامية،...).

anfasseالمواطنة مفهوم غربي المنشأ، تعكس جذوره التطور التاريخي والاجتماعي الغربي. وقد اكتسب هذا المفهوم معان مختلفة نظرا لارتباطه بتطور الجماعة السياسية في الغرب والتشكيلات الاجتماعية داخلها، بدءا من مجتمع " المدينة " اليونانية. ولهذا يعتبر الفكر الليبرالي الغربي من أكثر الاتجاهات إسهاما وإثراء في دراسة مفهوم المواطنة ( 1).
ينظر إلى المواطنة على أنها نسق من الحقوق المضمونة دستوريا، بمعنى أنها علاقة قانونية بين الفرد والدولة تقوم على مجموعة من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي ينبغي للدولة أن تضمنها للمواطنين جميعا على قدم المساواة، يقابل هذه الالتزامات واجبات يجب على المواطنين الوفاء بها.
هكذا، كما تعني المواطنة ضمان الحقوق، فهي تعني أيضا الالتزام بالواجبات تجاه الوطن. فالمواطنة هي أساس عملية الاندماج الوطني، وتمثل حجر الزاوية في الدولة الوطنية الحديثة التي تشكل الإطار القانوني والسياسي الذي تمارس فيه حقوق المواطنة وواجباتها.

anfasseلسنا بصدد توصيف تعميمي للنظام السياسي المغربي، يرمي إلى بناء نموذج نظري لطبيعة هذا النظام. وإنما سنقصر النظر هنا على ناحية من نواحي اشتغاله، حيث تتفاعل ديناميتان تبدوان في الظاهر متعارضتين، لكنهما تشتغلان، في واقع الحال، في شكل مفارقة وظيفية: هما الاستبداد والتسلط من جهة، والقبول الطوعي والمذعن لهذا التسلط من قبل الرعايا من جهة ثانية. مما يطرح  التساؤل عما يجعل هذه المفارقة وظيفية. وما جعل هذا التساؤل ملحا الآن، هو انبثاق حركة شباب عشرين فبراير التي استطاعت، إلى هذا الحد أو ذاك، أن تعيد النظر في بداهة الطابع الوظيفي لمفارقة التسلط السافر والقبول المذعن، من خلال جرأة وجماهيرية احتجاجاتها ومن خلال جذرية شعاراتها.
فما الذي يجعل تلك الوحدة التناقضية للاستبداد المشروع تعيد إنتاج نفسها باستمرار؟ وإلى أي حد ستستطيع الدينامية الاحتجاجية التي أطلقتها حركة 20 فبراير أن تحدث شرخا في تلك الوحدة؟
إذا ترجلنا عن مطية الدراسة الموضوعانية(1)[1]، ومشينا في دروب المعيش اليومي لأغلب المغاربة، من موقع التجربة والمعاناة الذاتيتين، فإننا نلج مشهدا يزكم فيه هواء التسلط الخانق كل المسام. نرمق التسلط في نظرة "المقدم" المتهمة على الدوام لساكنة الحي والمرتابة في حركاتهم وسكناتهم، ونسمعه في نبرة صيحات الموظفين الناهرة والمهينة لمرتادي المرافق الإدارية العمومية، بل حتى مرافق الخدمات الخاصة. وترهب له قلوبنا في طقوس القداسة وتقبيل اليد، ونذعن لقدريته، التي تبدو مطلقة، في قرارات الفرد الواحد. هواء الاستبداد خانق رغم أنه مختلط بروائح البخور في ليالي الذكر، وبالروائح الجذابة للسلع المستوردة في الواجهات التجارية الكبرى، أو حتى بروائح آباط الراقصين في حظائر مهرجان موازين.

20fevrier_copyفي تشخيصنا لحالة ميزان القوى الاجتماعي ما قبل 20 فبراير، وبغض النظر عن المعطى الموضوعي الثابت لاستبداد المخزن وفساد نخبه الإدارية والاقتصادية والسياسية وطغيانها، كنا نركز نظرنا على تشتت الحركات الاحتجاجية الشعبية من حيث محليتها وفئويتها، ناهيك عن افتقادها للربط بين المطلب الاجتماعي الفئوي وتأطيره السياسي العام. هذا التشتت وهذا الطابع الخبزي هما بالدرجة الأولى مفعولان للممارسة الكابحة من طرف البيروقراطيات القائدة لإطارات النضال الجماهيري (عن وعي مصلحي أو بسبب انعدام الأفق السياسي)، ولتخلف الوعي السياسي للجماهير المحتجة، وآنية مطالبها، أكانت منظمة أو عفوية. الأمر يتعلق إذن بغياب سيرورات مجمعة وممركزة ومسيسة للنضالات، وغياب قوى سياسية قادرة على، وراغبة في الانغراس في هذه البؤر الاحتجاجية من أجل حفز تلك السيرورات وتأطيرها.

أنفاستناقلت وسائل الإعلام بشكل متسارع خبر إبعاد والي المدينة الاقتصادية للمغرب إلى مدينة زاكورة إحدى المدن الصحراوية، بعدما نزلت عليه صاعقة ما يعرف بالغضبة الملكية. السبب كما رجحت بعض المصادر إلى سوء التسيير الأمني الذي شهدته الشوارع البيضاوية في الأشهر الماضية وخصوصا ما تزامن مع الزيارة الملكية الأخيرة للمدينة. الغرض من ذكر هذا الحدث، ونحن في ضوء بعض المتغيرات وتحت ادعاءات الديمقراطية، ان نلامس صورا واقعية، في شكلها العمومي، لمسالة تحمل الأخطاء على حساب المسؤولية المركزية. اي كيف يتم عتاب الكبير بناء على أخطاء الصغير. ومثل هذه المناصب تعرف بحساسيتها الأمنية ووجوب التعامل يقتضي الصرامة واليقظة الأمنية في تحمل الخطوات السابقة لأجل الصالح العام.ما الذي يستفاد من هذه الواقعة..؟ ليس القصد هنا ان نقف وراء الأسباب الحقيقية لقرار الإبعاد بقدر ما هو تساءل نظري للعملية الاقصائية للمواقع ذات الحساسية والمسؤولية الأمنية، كمثال على مسالة الوهم الافتراضي لقضية المعرفة في مثل هذه المواقع، أي المسؤول الذي لا يعرف. كيف ذلك...؟؟

3inayaفي سوسيولوجيا الإسلام ثمة ظاهرة لافتة، كلما أمعن رمز من رموز الطغيان في تلويث الدين ومسخه إلا وأسرع إلى تشييد أفخم الجوامع وأبهى الصوامع. وليْته قنع بذلك لأنه ليس ممن يعمرونها طويلا، فقصارى ما يبغيه من صنعه تخليد اسمه. لكن حاكم تونس الذي أطاحت به ثورة الشعب لم يقنعه تشييد الجوامع، فتفتقت عبقريته إلى اكتساح أسماء الساحات والشوارع، حتى كادت ألا تخلو بلدة أو مدينة في تونس من تسمية "شارع 7 نوفمبر". لكن لا الجوامع ولا الشوارع أطفأت مكنون الجوارح، فكان البحث عن دكتوراه فخرية من جامعة غربية يتقلدها "باكالوريا ناقص ثلاثة" كما يسميه التونسيون، أي "ختم الدروس الثانوية تنقصها ثلاث سنوات"، وهو المستوى التعليمي الحقيقي لبن علي.
عشية يوم أبلغتني أستاذة الأدب العربي إيزابيلا كاميرا دافليتو، الزميلة في جامعة الأورينتالي في نابولي، حين كنا ندرس هناك سويا، أن أعوان رئيس تونس وفدوا حازمين لانتزاع شهادة فخرية لولي أمرهم، عارضين إغراءات شتى على عميد الجامعة وعلى هيئة الإشراف. فالأوريِنتالي -الشرق- هي من أعرق الجامعات الأوروبية وأشهرها في تدريس الاستشراق والاستعراب والإسلاميات. حينها كنت الأستاذ التونسي الوحيد في تلك الجامعة، لم يخاطبني أعوان المخلوع في الأمر، لأنهم يعون أن هواي ليس معهم، ربما لأنهم يدركون أني زيتوني، ويعلمون أني حقي في الشغل في بلدي ملغي منذ سنوات، وأن جواز سفري التونسي صودر لعدة سنوات، ففكروا وقدروا تجنّبي.