" نسيء فهم"مشروع بروست الفلسفي" حينما نعتقد أنه بإمكاننا العثور على فلسفة قائمة في أفكار"(مارلو بونتي في درس عن مارسال بروست).
" تكشف أعمال مارسال بروست الروائية عن " عدوى روائية أصابت ممارسة الفلسفة" ... " لم يدمج بروست في كتاباته الروائية موضوعات فلسفية كلاسيكية فحسب، بل ابتكر موضوعات صارت فلسفية وذلك بقدرته على الكتابة فيها روائيا، ليفتح الطريق بذلك للتفكير فيها على نحو فلسفي غير مسبوق" ( آن سيمون " صخب عبور المسافات").
"يساعدنا بروست على فهم أسرار الزمن.." ( جان ماري ديران). " ليست الساعة ساعة لا غير، بل هي مزهرية مملوءة بالروائح والأصوات والمشاريع والمناخات ...إنّ دقيقة نمضيها من نظام الزمن تخلق فينا من أجل أن نحسّ بها، إنسانا تحرّر من نظام الزمن".( م. بروست " البحث عن الزمن المفقود").
****
هل علينا أن نقول أولا إنّ مارسال بروست (1871 - 1922 ) روائيّ بالأساس؟ ربّما. ولكنّنا إزاء روائي فذّ أثار جدلا وما يزال على أكثر من صعيد وخاصّة من ناحية علاقته بالفلسفة، أو بالأحرى، من جهة حضور الفلسفة على نحو ما في كتاباته الروائية. ذلك أن النظر مثلا في روايته المميزة " البحث عن الزمن المفقود" ( التي نشرت من1913 إلى 1927) يكشف ، فضلا عما فيها من " مقاطع نظرية" أشبه "بتحليلات الفلاسفة "، يوجد فيها اهتمام بمسائل فلسفية وأخلاقية واستيتيقية ...وإن على نحو خاص . ممّا يؤكّد أنّنا إزاء " رواية " مميزة ، وأنّ ما يميّزها ، من ضمن عناصر أخرى - هو بالخصوص"البعد الفلسفي " . وهو الذي سمح لبعض النقاد بالنظر إليها جنسا خاصا من الرواية هو" الرواية الفلسفية". أو لعلّها كما يقو آخرون من قبيل فلسفة خاصّة ، " فلسفة روائية" أي فلسفة أصيبت بعبارة " آن سيكون " بعدوى روائية". ولعلّ هذا ما يفسّر اهتمام كثير من الفلاسفة بأعمال بروست وبرواية" بحث عن الزمن المفقود " على وجه الخصوص. بل اهتمام كثير منهم أيضا بالبحث في الروافد الفلسفية ( من أفلاطون إلى شوبنهاور وبرجسون الخ ) لكتاباته الفنية ، لرواياته واختلافهم في ذلك في حدّ اليوم. ولعلّ هذا ما يحملنا على التساؤل عمّ يبرّر هذه العلاقة بين ضربين من الإبداع يحيلاننا إلى مجالين مختلفين هما الرواية والفلسفة، إلى الفنّ والفلسفة. ما وجه صلة مارسال بروست بالفلسفة : هل يعود الأمر إلى بروست ذاته، إلى خيار شخصي ام إلى قرابة بين الفلسفة والرواية لم يفعل بروست سوى كشف مقوماتها بل وتكريسها ربما في اعماله؟ وما شأن بروست والفلسفة ؟ هل هو بالأساس فيلسوف ضل الطريق إلى الرواية أم روائي أو فنان يجنح إلى الفلسفة ؟