
عندما تخرج صاحبنا من جامعة أجنبية حاصلا على شهادة الدكتوراه كان المفروض أن يرجع إلى بلده لكي لا يبقى تحت طائل متطلبات كثيرة مختلفة . لقد عاش فترة طويلة هناك ، فذكريات الطفولة الحلوة ببراءتها الساطعة تكمن في كل زاوية من زوايا قريته ومدرسته الابتدائية . ولكن قريته هدمت ، وأجبر أهله على الهجرة إلى مكان آخر بعيد عن تلك البقعة ، فهو لا يستطيع حتى أن يتخيله . عائلته وأصدقاؤه وزملاء الطفولة وأقاربه كلهم هناك ، وقد عاش معهم هذه السنوات الطويلة ، وشاركهم في أفراحهم وأتراحهم . وما طعم الحياة بدون كل هؤلاء ؟ أليست قيمة الحياة كامنة في هذه العلاقات الاجتماعية ؟ ولكن الأهم من ذلك أن بلده احتضنه لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان ، يشرب من مائه الريان ، ويأكل من زاده الوفير . يستفيد من امكاناته كغيره من الناس ، بل أكثر من ذلك بكثير . أليست العودة تنفيذا لايفاء العهد في خدمة بلده وأهله طوال العمر؟ أليس ذلك بقليل بحق الوطن ؟ بلى ، فهذا ولاشك قليل من كثير ، وغيض من فيض . إذن فما الذي يحمله على التراجع من ذلك ؟