نبدأ بطرح السؤال التالي : هل فكْر السوق يؤدي إلى نهضة الفلسفة ؟ أم على العكس .. ، فثقافة السوق ببعدها الاسهلاكي و التنميطي هو الذي يساهم بشكل كبير في الدفع بالفكر الفلسفي إلى حافة السقوط غير المبرر ...؟
جاء انخراط الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز ، في النقاش الفلسفي الدائر في عصره الحديث ( النصف الثاني من القرن العشرين ) أو المشبع حتى الثمالة ، بحداثة الفكر التنويري المتعدد الأصول و الأبعاد ، كنتيجة حتمية و ضرورية لما كانت تعيشه الفلسفة ، كمعرفة تصوّرية ، من تشديد الضيق و الخناق ، و الضغوطات المختلفة و الرهيبة أحيانا ، من قبل العديد من الجهات الرسمية و غير الرسمية ، سواء ذات علاقة بأهداف سياسوية أو إيديولوجية أو ثقافية أو فكرية إقتصادية استراتيجية ، لها مصالح كبيرة الحجم ، و واضحة المعالم ، و ذلك رغبة في التشويش على الفكر الفلسفي الراقي ، و بالتالي استغلال هذه الفرصة الثمينة ، و المشاركة في الحط من قيمة و نجاعة القول الفلسفي ، بدعوى أن عصر الفلسفة قد انتهى ، و أنه لم تعد هناك جدوى و لا إمكانية للحديث عن الفلسفة و التفلسف ، لأن شروط القول الفلسفي أصبحت منعدمة و في خبر كان .. ؟؟
و انطلاقا من هذا الإدعاء المزعوم ، سيعمل دولوز على تشييد أطرحته الفلسفية المتميزة ، في تاريخ الفكر الفلسفي البشري برمته ، لأنه حاول الدفاع عن الفلسفة و الفيلسوف بالفلسفة نفسها ، و ذلك بتأكيده و إلحاحه الجريئين ، في جميع كتبه الفلسفية التي تجاوزت العشرين كتابا ، على الطابع الراهني و الثوري المقاوم لكل إمكانية فعل التجاوز ، كيفما كان نوعها ، لطبيعة الفكر الفلسفي ، و أن شرط وجودها كمعرفة عقلانية تصورية مازال قائم الذات ، بل إنه يشكل مطلب الطبيعة البشرية للإنسان ، و لا يمكن إن لم نقل يستحيل أن نتحدث – حسب دولوز دائما – عن موت الفلسفة .. ، و أنها وصلت إلى لحظة اكتمالها ، كما يدعي البعض ، و ذلك لسبب بسيط ، هو أن الشرط الموضوعي للقول الفلسفي و تفلسف الفيلسوف ظل حيا و موجودا ، و لا يزال متوفرا ، في بيئة مجتمعية حضارية لعصر معرفي ، ما يزال في أشد الحاجة إلى دور الفيلسوف و وظيفته الحيوية و الأساسية في هذه الحياة . لأن الإنسان حيوان بطبعه يتفلسف .. يعني يفكر عبر آليات عقلية حرة ، تبحث عن الاتساق و الجمال و العدالة بين الأشياء و كائنات الوجود الذي يعيش فيه ..