1
الهُوية الاجتماعية لَيست تعبيرًا عن الولاء والانتماء فَحَسْب،بَل هي أيضًا تعبير عن السلوك الحياتي اليَومي، ودَوره المركزي في تثبيت شرعية وُجود الإنسان ، وتحقيق الجوهر التاريخي عن طريق توليد أنساق اجتماعية إبداعية ، وتكوين مناهج فكرية تحليلية ، وعدم الاكتفاء بالتلفيق بين الأضداد والعناصر المتعارضة ، ودفن النار تحت الرماد ، فالإنسانُ لن يستعيد جوهرَه الوجودي في بناء التاريخ إلا بالمشاركة في صناعة الأحداث ، وعدم التفرُّج عليها ، ولن يحصل المجتمعُ على شرعيته المركزية في مشروع النهضة الحضارية إلا بتشكيل سُلطة اعتبارية قائمة على قوة المنطق لا منطق القوة، تجمع كُلَّ الأطياف والتيارات ، وتعتمد مبدأ التَّوفيق لا التَّلفيق .
2

 1
تحليل عناصر التفاعل الاجتماعي لا يعني تمزيق الروابط الإنسانية بين المُكوِّنات الاجتماعية ، وإنَّما يعني وضع الطبيعة الرمزية للفرد والمجتمع تحت مجهر الشعور الإنساني ، لأن الفرد يتحرَّك في المجتمع انطلاقًا مِن شُعوره الداخلي الذي يُحتِّم عليه الانخراط في حركة التاريخ الجماعي ، وأن يكون جُزءًا مِن الكُل ، ولَبِنَةً في صَرْح المجتمع الحَي ، الذي يُدرِك أبعادَ ذاته ، ويُدرِك حُدودَ مجاله الحيوي . وحياةُ المجتمع لا تتكرَّس كواقع محسوس وحقيقة شرعية إلا إذا أدركَ المجتمعُ كِيانَه والكِيانات المُحيطة به . وهذه الإدراك يُمثِّل الخُطوة الأُولَى لتفسير مُكوِّنات الذات ، وعلاقتها بالآخَر، سواءٌ كان الآخَر داخليًّا أَم خارجيًّا. والعاجزُ عن إدراك ذاته ، لن يستطيع تفسيرها ، ومَن لَم يَمتلك الوعي بالذات والآخَر ، لن يستطيع تكوين روابط بينهما قائمة على الاحترام المتبادل، وهذا يعني وُجود احتمالية كبيرة للصِّدام بينهما .

 1
الإشكالية الفكرية التي يقع فيها الإنسانُ أثناء مساره الحياتي، تتجلَّى في بَحثه عن تاريخ الأمم والشعوب ، ونِسيان تاريخه الشخصي الذي يعيش في أعماقه الداخلية. وهذه العملية ناتجة عن عدم تقدير الإنسان لنَفْسه، فهو يعتقد أنَّه مُجرَّد عُنصر هامشي في المجتمع الإنساني ، ورَقْم عابر في الحضارة الكَونية ، وهذه القناعة الوهمية التي تجذَّرت في أفكار الإنسان ومشاعره ناتجة عن ضغط النظام الاستهلاكي المادي ، الذي جَعل الإنسانَ مَحصورًا في دائرة الوعي السلبي ، ومُحَاصَرًا بالسلوكيات الاجتماعية التي تكرَّست كمُسلَّمات بفِعل العادات والتقاليد ، ولَيس بفِعل الحُجَّة والمنطق . وهذا أدَّى إلى دَوَرَان الإنسان حول نَفْسه دُون أن يُفكِّر في اكتشافِ نَفْسه ، وإخضاعِ أفكاره لقواعد المنهج العِلمي الذي يقوم على قُوَّة الأدلة وشرعية البراهين . والدَّوَرَان في هذه الحَلْقة المُفرَغة يُفَرِّغ الإنسانَ من طاقته الروحية ، ويُفقِده الثقةَ بالنَّفْس ، ويُجرِّده من امتداده المصيري في الوجود والمجتمع واللغة .

عام 1995، كتب أستاذ القانون والقاضي الألماني "برنارد شيلنك" روايته "القارئ" التي حققت نجاحا هائلا كونها أعلى إيرادات للبيع، وتُرجِمت إلى أكثر من 27 لغة حول العالم، وأُدرِجت في مناهج دراسية حول أدب المحرقة، وتحوَّلت إلى فيلم سينمائي من بطولة "كيت وينسلت" عام 2008. تحكي الرواية عن شخصية ألمانية لامرأة عادية جدا، تعمل جابيةَ تذاكرٍ في إحدى المحطات في ألمانيا الغربية، يقع في غرامها شاب في مقتبل العمر، ليكتشف بعد اختفائها لسنوات أنها واقعة تحت محاكمة لارتكابها فعلا نازيًّا بإحراق مجموعة من اليهوديات داخل كنيسة.

'' إن كان للرجل الحق في أن يعيش حياته كما يحب، فلا بد أن يكون للمرأة مثل ذلك أو أكثر''.
ليس من السهل أن نتحدث عن المرأة في مجتمع بيئته تمجد الذكر عند الولادة، ولا تقيم مراسم احتفالية مشابهة عند ولادة الأنثى، فإذا نظرنا بعين التاريخ لنرى في هذه المسألة جيدا ونتفحص جذرها، نجد من يقتل الأنثى بكل برودة ويدفنها بطريقة وحشية، كما نجد من يختنها أو يغتصبها أمام الملأ، ولا يكون بوسعنا إلا العجب والتعجب ممن ينبذ المرأة/الأنثى ويدفع بها إلى أشياء أقل ما يمكن القول عنها، أنها وحشية وفي غاية الفظاعة والوقاحة والعبث.
( لماذا المرأة على هذه الأرض؟ وما دورها في الحياة؟ وكيف لها أن تعيش في ظل جسدها الأنثوي؟)

تقديم:
في زمن كورونا وقعت الواقعة وساد النحيب. والتفت الساق بالساق فأين المساق؟ وقد تحددت المواجهة في كثير من الربوع باعتبارها جزءا من التسوية والحل للحيلولة دون السقوط في مثبط الشلل. أو في ديمومة قد تعيق نمط الحياة.
في تدوينات ما بعد حدث كورونا تأويل لا متناه يسود تفاصيلها. في تفسيرها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وقد كان البحث في انعكاسات الوباء شبحا مخيفا قاد الأقلام إلى بحث مضن. بيد أن ثمة بعض المناحي الغائرة قلما تم الالتفات إلى وقع الجائحة عليها. أقصد أسئلة جديدة تلوح في الأفق حول طبيعة الهوية التي يتحدد من خلالها وعبرها الفرد في مرحلة التعليم عن بعد. وفي مرحلة الانتكاسة الباثولوجية التي عرفها النشاط الثقافي على أصعدة مختلفة.

"ما دام العالم سابقا على وجود الذات فلابد أن يشكل مقدمة ضرورية لاختياراتها. وبما أن العالم غير مكتمل التكوين فذلك يمنحها القدرة على المساهمة في بلورة شخصيتها من خلال الوعي والممارسة". ميرلوبونتي

إنه لمن المثير للانتباه، القول بتهافت علم اجتماعي، لم ينفك يعلن -منذ تأسيسه- قدراته وإمكاناته على الغوص في مجال العلاقات الاجتماعية، وتقديم تفسير وفهم وتأويل للشروط التي أنتجتها. إنه قول قد يستفز أي منتمي لهذا الحقل الاجتماعي وقد يودي به للقول –وله الحق في ذلك- بتهافت هذا القول من الأساس. لكن، سرعان ما سيتبدد ذلك حين سنعرف أي نوع من هذه السوسيولوجيا التي قد يطالها هذا النوع من التهافت؟ يجيبنا صاحبي كتاب "الخطر السوسيولوجي" أن النوع المعني هو السوسيولوجيا التي تتنفس خطاب الحتمية الاجتماعية وتجعل منه مرجعها الأساس في دراسة الظاهرة الاجتماعية. وهو الأمر الذي يخفي وراءه خطابا يقوم على التبرير الأيديولوجي للعالم الاجتماعي. إنها السوسيولوجيا التي يمثلها التيار الشمولي أو الكلياني الذي يعد السوسيولوجي الفرنسي ايميل دوركايم مؤسسه.

"لقد تبوأ التافهون موقع السلطة"(1)
تقديم
شكل مفهوم التفاهة موضوع كتاب الفيلسوف الكندي آلان دونو، الميديوقراطية، أو نظام التفاهة، هذا الكتاب الذي يعد مؤلفا ثوريا في تشخيص ما نعيشه اليوم في ظل سيادة السطحية والرداءة، ووصف للإستراتيجية الخبيثة التي اعتمدتها من أجل تمكين التافهين والحمقى من السيطرة على كل المجالات داخل الدولة، خاصة الحيوية منها، والموجهة إلى جمهور واسع.
إن دراسة التفاهة في مجتمعنا اليوم أصبح ضرورة، قصد وقف شر الوسط المتطرف الجارف، الذي اقتحم الحياة الإنسانية، وتغلغل في السياسة، والاقتصاد، والتعليم، والقيم الاجتماعية، والثقافة والحضارة ككل، وصار قدرا محتوما وجب مجابهته، والتصدي لسياساته التدميرية، من خلال اقتفاء أثر دونو الذي انتقد بشدة مختلف مظاهره وتجلياته.