فلسفة وتربية

لذلك يتم تعريف مفهوم الوعي من خلال تعارضين: من ناحية، تعارض الوعي والمتعارض مع (ob-jet) في مقابل الذات (في الألمانية Gegenstand تعني حرفيا ما يتعارض مع، ويحوله المترجمون إلى "ob-jet" وهم يحتفظون ب "objet" لكلمة ألمانية أخرى:Objekt)؛ تعارض المعرفة والحقيقة من ناحية أخرى. كل تعارض من هذه التعارضين يعطي لمفهوم الوعي معنى مختلفا. يكون له معنى ذاتي عندما يشير إلى نشاط معين للعقل، النشاط الذي من خلاله تميز الذات معرفتها عن الأشياء التي تتعلق بها: وهذا ما يمكن أن نسميه، في اللغة الهوسرلية، النشاط "الإدراكي النيوماتيكي" للوعي، الترابط بين الفعل الفكري "القصدي" والموضوع المقصود. لكن يجب أن يفهم الوعي أيضا بالمعنى الإبستيمولوجي، بموجبه يكون فهما عفويا من قبل العقل لما يشكل حقيقة تمثلاته، أو معرفته. وفقا لهذا التصور للحقيقة، تُعتبر الأشياء الخارجية مستقلة في حد ذاتها عن المعرفة، وهي في ذاتها يجب أن تتوافق معها المعرفة حتى تكون صحيحة. نصادف المفهوم التقليدي عن الحقيقة باعتبارها "توافق" المعرفة مع موضوعها. لماذا ننسب هذا التصور عن الحقيقة إلى الوعي؟ لأنها تُخضع معرفتها تلقائيا لمثل هذا الطلب على الحقيقة، والاهتمام بالدقة ( Richtigkeit ) في الاصطلاح الهيجلي.
يتم إذن تعريف مفهوم "الوعي" من خلال ثنائية مزدوجة: تنضاف إلى ثنائية الوعي وموضوعه ثنائية المعرفة والحقيقة. فقط الثنائية الثانية، ذات الطبيعة الإبستيمولوجية، هي موضوع النقد الذي تطور عبر "الفينومينولوجيا" وأدى إلى النتيجة التي صيغت في فصل “المعرفة المطلقة”: إنما في عرض المعرفة على شكل مفهوم، وليس في ما وراء المعرفة، ينبغي البحث عما يشكل أعلى درجة من حقيقة المعرفة (الدقة هي فقط أدنى درجة من الحقيقة). في مرحلة المعرفة المطلقة، سيتم القضاء على التعارضات المكونة للوعي، بين المعرفة والموضوع، المعرفة والحقيقة، الوجود-من-أجل-الوعي والوجود في ذاته. سوف يفسح الوعي المجال للعلم، للمفهوم الذي يُفهم على أنه وحدة الفكر والوجود:
"إذا كانت كل لحظة، في فينومينولوجيا الروح، هي الاختلاف بين المعرفة والحقيقة، وكذلك الحركة التي يتم فيها إزالة هذا الاختلاف، في المقابل، لا يحتوي العلم على مثل هذا الاختلاف وإزالته، لكن، بما أن للحظة شكل المفهوم، فهي تجمع بين الشكل التعارضي (obj-ectivale) للحقيقة وشكل الذات التي تعرف في وحدة مباشرة" (890/432).
شكل الوعي

تمهيد
يتكون الفكر السياسي في نسخته الحديثة والمعاصرة من جملة من الفرضيات والمقدمات والتي يترتب عنها وفق المنهجية الفرضية الاستنتاجية مجموعة من الاستتباعات والقواعد ويمكن ذكر حالة الطبيعة والوضع الاصلي والحالة المدينة والعقد الاجتماعي وكذلك البديل الرأسمالي والبديل الاشتراكي ومحاولة تدارك الأخطاء الناتجة عن البديلين سواء في نسخة العدالة التوزيعية او الليبارتارية. فماهو النموذج السياسي الأكثر نجاعة في زمن التحولات والأزمات المالية والبيئية والطبية التي تعصف بالدول؟

نظرية العقد الاجتماعي

عندما تُبرم اتفاقيةً ذات أهمية، فإنك عادةً ما توافق على شروطٍ مُحددة: تُوقّع عقدًا. هذا لمصلحتك، ولمصلح الطرف الآخر: فتوقعات الجميع واضحة، وكذلك عواقب عدم الوفاء بها. العقود شائعة، وقد جادل بعض المفكرين المؤثرين في العصر الفلسفي "الحديث" بأن المجتمع بأسره يُنشأ ويُنظّم بموجب عقد. اثنان من أبرز "مُنظّري العقد الاجتماعي" هما توماس هوبز (1588-1679) وجون لوك (1632-1704 .[نشرح في هذه المداخلة أصول هذا التقليد، ولماذا يُنير مفهوم العقد التفكير في بنية المجتمع والحكومة.

حالة الطبيعة والعقد الأول

لمعرفة سبب سعينا إلى عقد، تخيّل لو لم يكن هناك عقد، ولا اتفاق، على ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع: لا قواعد، ولا قوانين، ولا سلطات. هذا ما يُسمى "حالة الطبيعة". كيف ستكون الحياة في حالة الطبيعة؟ يعتقد معظم الناس أنها ستكون سيئة للغاية: ففي النهاية، لن يكون هناك مسؤولون لمعاقبة أي شخص أساء إلينا، مما يؤدي إلى عدم وجود رادع للسلوك السيئ: يبدو أن كل رجل وامرأة وطفل سيتحمل مسؤوليته بنفسه. وصف هوبز الحياة في حالة الطبيعة بأنها "منعزلة، فقيرة، بغيضة، وحشية، وقصيرة". يصفها لوك بأنها حيث يمكن للجميع أن يكونوا قضاة ومحلفين في نزاعاتهم الخاصة، مما يعني أنهم يستطيعون أن يقرروا شخصيًا متى ظُلِموا وكيف يعاقبون الجاني؛ من الواضح أن هذا قد يخرج عن السيطرة.

تاريخيًا، ربما لم نكن في حالة طبيعية قط، لكن منظري العقد يستخدمون هذه الفكرة لشرح سبب استحسان قواعد المجتمع، أي العقد. فهو يسمح لنا بالعيش بسلام مع ضمان أنه لا يمكن لأحد أن يؤذينا ببساطة أو يأخذ ممتلكاتنا دون عواقب. يجادل منظرو العقود بأن معظم الناس سيدخلون بحرية في عقود لتأمين هذه المنافع. مع ذلك، للعقد بعض التكاليف: فلكي يحصل الجميع على مزايا مجتمع منظم، يوافقون على التخلي عن بعض المنافع التي كانوا يتمتعون بها في حالة الطبيعة. يقول هوبز إنه يجب علينا التخلي عن "حق الطبيعة" أو القدرة على الحكم بأنفسنا على ما يُعتبر "حفاظًا على وجودنا". هذا يعني أنه بإمكاننا قتل شخص ما والادعاء بأنه ساهم في "حفظ وجودنا"، سواء صدقنا أم لا. ويجادل لوك بأنه يجب علينا التخلي عن حقنا في أن نكون قاضيًا ومحلفًا في نزاعاتنا. لنفترض، من أجل منفعة متبادلة، أن الناس تعاقدوا لتكوين مجتمع ما. ما هي تفاصيل هذا العقد؟

اتفاقية تشكيل الحكومة

يحتاج المجتمع حديث التكوين إلى آلية لاتخاذ القرارات: من سيضع القواعد وينفذها؟ لا بد من إرساء هذه السلطة إذا أُريد للمجتمع الجديد أن يعمل معًا بسلام. يجادل هوبز بأن سلطة اتخاذ القرار الوحيدة يجب أن تكون حاكمًا جبارًا، يُطلق عليه اسم "التنين"، يحكم بالقوة حتى يخشى المواطنون أي شيء يقوله الحاكم. وكما يُذكّر هوبز قراءه بنذير شؤم: "والعهود أو العقود، بدون سيف، ليست سوى كلمات، ولا قوة لها على الإطلاق لحماية الإنسان". يعني العقد أن تُطيع الحاكم وقوانينه وإلا ستُعاني من عواقب وخيمة، كالسجن أو حتى الموت. يعكس اقتراح لوك لإنشاء الحكومة نهجًا أكثر ديمقراطية بمعنى حكم الأغلبية: "... كل إنسان، بموافقته مع الآخرين على تشكيل هيئة سياسية واحدة تحت حكومة واحدة، يُلزم نفسه... بالخضوع لقرار الأغلبية." ووفقًا للوك، فإن الوظيفة الأساسية للحكومة هي إقرار القوانين من خلال تصويت الأغلبية فيما يتعلق بحماية الحقوق، وخاصة حق الفرد في الملكية: "الغاية العظمى والرئيسية من خضوع الناس للحكومة هي الحفاظ على ممتلكاتهم." تتطلب الحكومة خضوعنا لسلطة شخص آخر. أما خضوعك لحكم شخص آخر، فيتطلب تضحية: فنحن نتخلى عن حق سن القوانين، وتطبيقها، ومعاقبة من يخالفها. وننقل هذه الحقوق إلى فرد أو جماعة تقوم بها نيابةً عنا. تُشكل هذه الأنشطة الأساسية الثلاثة - وضع القوانين، وتطبيقها، ومعاقبة من يخالفها - أساس فروع الحكومة الثلاثة الشائعة في العديد من البلدان.

تعريف الرأسمالية والاشتراكية

هل ينبغي أن يكون مجتمعنا رأسماليًا، أم اشتراكيًا، أم شيئًا بينهما؟ للحكم في هذا النقاش، يجب أن نفهم تعريفي "الرأسمالية" و"الاشتراكية".

التعريفات الأكاديمية

يكمن الفرق الجوهري بين الرأسمالية والاشتراكية في ملكية السلع الرأسمالية والتحكم فيها، أي الأصول (عادةً الآلات والمباني، مثل جزازات العشب وأجهزة الكمبيوتر والمصانع) التي تزيد من إنتاجية العمل، أو توفير السلع والخدمات. وبالتالي، فإن التعريفات الأكاديمية لـ "الرأسمالية" و"الاشتراكية" كنظم اقتصادية هي كما يلي:

الرأسمالية: نظام تكون فيه معظم أو جميع السلع الرأسمالية مملوكة ومسيطر عليها بشكل خاص: مملوكة ومسيطر عليها من قبل أفراد معينين، وليس من قبل المجتمع أو الحكومة.

الاشتراكية: نظام تكون فيه معظم أو جميع السلع الرأسمالية مملوكة ومسيطر عليها اجتماعيًا: مشتركة في مجتمع ويسيطر عليها ذلك المجتمع، وربما من قبل الحكومة.

لاحظ أن هذه التعريفات تتعلق بالسلع الرأسمالية، أو "الملكية الخاصة"؛ يمكن أن تكون السلع الاستهلاكية أو الممتلكات الشخصية، مثل القبعات العالية والبوريتو، مملوكة ملكية خاصة في معظم أشكال الاشتراكية. على النقيض من ذلك، في بعض أشكال الشيوعية والفوضوية، لا يمتلك أي شخص أي سلع ملكية خاصة؛ بل يستخدمها أو يمتلكها فقط. لاحظ أيضًا أن كلا التعريفين متوافقان من حيث المبدأ مع وجود حكومة في المجتمع أو عدم وجودها. لذلك تتميز الأنظمة الرأسمالية الواقعية دائمًا بخصائص أخرى:

انتشار العمل المأجور: يعمل معظم الناس مقابل أجر أو راتب محدد (بدلاً من حصة من أرباح الشركة)؛

انتشار الملكية الغائبة: لا يعمل معظم مالكي معظم السلع الرأسمالية باستخدامها (على سبيل المثال، لا يعمل معظم مالكي أسهم تويوتا في تصميم أو تجميع سيارات تويوتا)؛

دخل الملكية الخاصة: من الممكن كسب المال بمجرد التملك الخاص للعقارات، وليس بالعمل. (قد يقوم بعض الناس "بعمل" في إدارة محافظهم الاستثمارية الخاصة، ولكن حتى من ورث مثل هذه المحفظة ولم يفكر فيها مرتين سيظل قادرًا على تحصيل دخل منها). في المقابل، تتضمن الأنظمة الاشتراكية عملاً مأجورًا قليلًا أو معدومًا، أو ملكية غائبة، أو دخلًا من الملكية الخاصة. بدلًا من العمل المأجور ودخل الملكية الخاصة، قد يعمل الناس مقابل حصة من أرباح شركاتهم، أو قد يحصلون ببساطة على حصة من أرباح ثروة المجتمع، أو قد لا يكون هناك مال على الإطلاق ويأخذ الناس ببساطة ما يحتاجونه.

الأسواق الحرة واللوائح التنظيمية

من الشائع وصف اقتصادات السوق الحرة بأنها أكثر رأسمالية، والاقتصادات الأكثر تنظيمًا بأنها أكثر اشتراكية. ومع ذلك، من الممكن وجود نظام شديد التنظيم، ومع ذلك يكون رأس المال بأكمله مملوكًا للقطاع الخاص: فهناك عمل مأجور، وملكية غائبة، ودخل من الملكية الخاصة، ولكن هناك أيضًا العديد من القوانين التي تحكم العمل، وضرائب مرتفعة. وبالمثل، من الممكن وجود نظام اشتراكي غير منظم في معظمه. وبالمثل، فإن الاشتراكية ليست مرادفة لـ "دولة الرفاهية"، لأن المصطلح الأخير يشير إلى نظام قوانين يهدف إلى إفادة الفقراء والطبقة المتوسطة، ولا يذكر شيئًا محددًا عن من يملك معظم رأس المال. أما النظام الذي يكون فيه رأس المال بأكمله مملوكًا للقطاع الخاص ولكن مع وجود ضريبة دخل عالية، تُستخدم لشراء الخدمات للفقراء، فيمكن اعتباره "رأسماليًا". في الواقع، يمكن القول إن الاشتراكية الأناركية لا تحتوي على أي "لوائح" ولا دولة رفاهية على الإطلاق. لذلك، مع أن اعتبار اللوائح وبرامج الرعاية الاجتماعية اشتراكية ليس مُضلِّلاً عمومًا، إلا أن هذا ليس جزءًا من التعريفات الأكاديمية لـ"الرأسمالية" و"الاشتراكية".

تعريفات خاطئة

حتى الآن، تناولنا التعريفات الأكاديمية لـ"الرأسمالية" و"الاشتراكية". لكن هاتين الكلمتين تُستخدمان أيضًا بطرق أخرى. فلننظر إذن في تعريفين خاطئين:

الرأسمالية: نظام شرير لا يعمل إلا لصالح الأغنياء؛ ينتشر فيه الفقر المدقع وعدم المساواة على نطاق واسع؛ الجميع تقريبًا مستهلكون وجشعون، ولا يسعون إلا إلى جمع المزيد من الثروة؛ العمال مستعبدون لرؤسائهم؛ ولا أحد يحمي البيئة من التدهور.

الاشتراكية: نظام شرير يكون فيه المجتمع ديكتاتوريًا شموليًا؛ الجميع كسالى لأنهم يعلمون أنهم سيحصلون على أشياء مجانية؛ الاقتصاد في حالة من الفوضى، مع انتشار الهدر والفساد في كل مكان؛ الجميع مضطرون لمشاركة فرشاة أسنانهم؛ ويتم استبدال الدين التقليدي والعائلات بعبادة الدولة والحياة في مجتمعات الهيبيز.

هذه التعريفات "خاطئة" لعدم حيادها الكافي؛ إذ يكاد لا أحد يُقر صراحةً أيًا من النظامين الموصوفين، لذا يُعدّ استخدام هذه التعريفات مضيعة للوقت. من الممكن أن تؤدي الرأسمالية (التعريف الأكاديمي) حتمًا إلى الرأسمالية (التعريف الخاطئ)، أو العكس بالنسبة للاشتراكية. لكن هذا سؤال مفتوح وتجريبي - وهذا لا يعني أنه يجب تعريف "الرأسمالية" أو "الاشتراكية" بهذه الطريقة.

أمثلة من الحياة الواقعية؟

جميع المجتمعات الكبيرة كانت لديها اقتصادات مختلطة: بعضها رأسمالي وبعضها اشتراكي. ونتيجةً لذلك، يصعب النظر إلى المجتمعات الواقعية والقول إن فيها جانبًا جيدًا أو سيئًا بسبب الرأسمالية أو الاشتراكية. فنحن لا نعرف دائمًا أي جانب ننسب إليه الفضل أو نلومه. على سبيل المثال، جادل البعض بأن السبب الرئيسي للركود الكبير في الولايات المتحدة كان عدم كفاية التنظيم؛ بينما قال آخرون إنه كان التدخل الحكومي المفرط في سوق الإسكان. وبالمثل، قد يُلقي الناس باللوم على الرأسمالية أو الاشتراكية في بعض الأضرار، عندما يكون النظام المعني رأسماليًا بشكل عام، لكن الضرر ناتج عن جانب اشتراكي، أو العكس. على سبيل المثال، إذا جادل اشتراكي بأن الرأسمالية سيئة لأن نظام العدالة الجنائية غير عادل أو غير فعال، فيمكن لمؤيد الرأسمالية أن يرد بأن نظام العدالة الجنائية خاضع لسيطرة اجتماعية. من ناحية أخرى، إذا جادل مؤيد للرأسمالية بأن الاشتراكية سيئة لأن العديد من المسؤولين في الأنظمة الاشتراكية استخدموا ممتلكاتهم الخاصة لإثراء أنفسهم، فيمكن للاشتراكي أن يرد بأن ذلك لم يحدث إلا لأن النظام لم يكن اشتراكيًا بما فيه الكفاية. عندما تكون المصطلحات المهمة موضع خلاف حول تعريفاتها، فمن الأفضل تحديد التعريفات التي نشير إليها صراحةً. بما أن السمة الأساسية لهذا النقاش هي مسألة ما إذا كان ينبغي أن يكون الناس قادرين على امتلاك رأس المال الخاص أم لا، فيجب أن نبدأ بالتعريفات الأكاديمية. من الإنصاف لكلا الجانبين استخدام تعريفات حيادية وواسعة الانتشار إلى أقصى حد، ثم محاولة الإجابة على السؤال الأخلاقي والاجتماعي المتعلق بأي الترتيبات أفضل.

حجج لصالح الرأسمالية والاشتراكية

لنفترض أن لديّ عصا سحرية تُمكّنني من إنتاج 500 دونات في الساعة. أقول لك: "لنعقد صفقة. استخدم هذه العصا لإنتاج الدونات، ثم بِعها مقابل 500 دولار، وأعطني العائد. سأعطيك 10 دولارات مقابل كل ساعة تقضيها في هذا العمل. سأقضي هذا الوقت في لعب ألعاب الفيديو." يبدو نشاطي - لعب ألعاب الفيديو - سهلاً للغاية. وظيفتك تتطلب جهدًا أكبر بكثير. وقد أحصل في النهاية على أكثر من 10 دولارات مقابل كل ساعة عمل. كيف يكون هذا عادلاً؟

في القصة، تُشبه العصا السحرية السلع الرأسمالية: الأصول (عادةً الآلات والمباني، مثل الروبوتات وماكينات الخياطة وأجهزة الكمبيوتر والمصانع) التي تزيد من إنتاجية العمل، أو توفير السلع والخدمات. تشير التعريفات المعيارية لـ "الرأسمالية" و"الاشتراكية" إلى أن الأنظمة الرأسمالية، بشكل عام، تسمح للناس بامتلاك السلع الرأسمالية والتحكم فيها بشكل خاص، بينما لا تسمح الأنظمة الاشتراكية بذلك.

تميل الأنظمة الرأسمالية إلى احتواء العمل المأجور على نطاق واسع، والملكية الغائبة، ودخل الملكية؛ بينما لا تشمل الأنظمة الاشتراكية ذلك عمومًا. تُعدّ السلع الرأسمالية ذات أهمية أخلاقية. فكما هو الحال مع العصا السحرية، تُمكّن ملكية السلع الرأسمالية المرء من جني أموال طائلة دون عمل. في المقابل، يضطر الآخرون إلى العمل لكسب لقمة العيش. قد يكون هذا ظالمًا أو ضارًا.

يستعرض هذا المقال ويشرح الحجج الرئيسية في هذا النقاش.

الرأسمالية

تميل حجج الرأسمالية إلى القول بأنه من المفيد للمجتمع وجود حوافز لإنتاج وامتلاك واستخدام السلع الرأسمالية كالعصا السحرية، أو أنه من الخطأ منع الناس بالقوة من ذلك. فيما يلي أربع حجج للرأسمالية، مُلخصة بإيجاز:

(١) المنافسة: "عندما يتنافس الأفراد على الأرباح، فإن ذلك يعود بالنفع على المستهلك".

النقد: قد تُشجع المنافسة أيضًا على السلوك الأناني والاستغلالي. وقد توجد المنافسة أيضًا في بعض الأنظمة الاشتراكية.

(2) الحرية: "منع الناس من امتلاك رأس المال يُقيد حريتهم. وقد يُشكل الاستيلاء على دخلهم على شكل ضرائب سرقة".

النقد: ربما يُقيد امتلاك الملكية، في حد ذاته، الحرية، بمنع الآخرين من استخدامها. إذا أعلنتُ أنني أملك شيئًا ما، فقد أُعلن بذلك أنني سأجبرك على عدم استخدامه. وربما تتطلب "الحرية" القدرة على السعي وراء أهداف المرء الخاصة، والتي تتطلب بدورها قدرًا من الثروة. علاوة على ذلك، إذا كان على الناس الاختيار بين العمل والجوع، فقد لا يكون اختيارهم للعمل "حرًا" حقًا على أي حال. ويمكن القول إن التوزيع العام للثروة هو نتيجة "يانصيب طبيعي" تعسفي أخلاقيًا، والذي قد لا يمنح في الواقع حقوق ملكية صارمة على ممتلكات المرء. لم أختر مكان ولادتي، ولا ثروة والديّ، ولا مواهبي الطبيعية، التي تسمح لي باكتساب الثروة. لذا ربما لا يكون انتهاكًا لحقوقي أن آخذ بعضًا من تلك الممتلكات مني.

(3) الخيرات العامة: "عندما يجب مشاركة الأشياء، بما في ذلك رأس المال، مع الآخرين، فلا يوجد أحد لديه دافع قوي لإنتاجها. في المقابل، يزداد المجتمع فقرًا ويزداد العمل صعوبةً لعدم كفاءة الإنتاج.

النقد: قد يكون الناس مدفوعين لإنتاج رأس المال لأسباب إيثارية، أو قد يُجبرون على ذلك في بعض الأنظمة الاشتراكية. بعض الأنظمة التي يُفترض أنها اشتراكية تسمح بإنتاج مربح للسلع الرأسمالية.

(4) مأساة الموارد المشتركة: "عندما يكون رأس المال أو الموارد الطبيعية أو البيئة خاضعةً لسيطرة عامة، لا أحد لديه دافع قوي لحمايتها."

النقد: كما في السابق، قد يكون الناس مدفوعين بالإيثار. مع ذلك، قد تُصنف بعض الأنظمة ذات السيطرة الخاصة الجزئية على رأس المال على أنها اشتراكية.

الاشتراكية

تميل حجج الاشتراكية إلى القول بأنه من الظلم أو الضرر وجود نظام مثل قصة العصا السحرية، نظامٌ يعتمد على العمل المأجور ودخل الملكية على نطاق واسع. إليكم أربع حجج للاشتراكية، مُلخصة:

(1) العدالة: "من الظلم كسب المال بمجرد امتلاك رأس المال، وهو أمرٌ لا يُمكن تحقيقه إلا في النظام الرأسمالي".

النقد: ربما لا يكون للعدالة أهمية أخلاقية تُضاهي أهمية الموافقة، والحرية، وحقوق الملكية، أو النتائج الإيجابية. وربما يوافق العمال المأجورون على العمل، ويتمتع أصحاب رؤوس الأموال بحقوق ملكية على رؤوس أموالهم.

(2) عدم المساواة: "عندما يتمكن الناس من امتلاك رأس المال بشكل خاص، يُمكنهم استخدامه لزيادة ثروتهم مقارنةً بالفقراء، ويُترك العمال المأجورون أكثر فأكثر فقرًا مقارنةً بالأغنياء، مما يُفاقم عدم المساواة القائم بالفعل بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال المأجورين".

النقد: هذا ادعاء تجريبي قابل للنقاش. ولعلّ القدرة على امتلاك رأس المال الخاص تُشجّع الناس على الاستثمار في بناء السلع الرأسمالية، مما يُخفّض أسعار السلع والخدمات. علاوة على ذلك، ربما تُسيطر المصالح الخاصة الثرية على الاحتكارات التي تُمنح عادةً من خلال السيطرة الاجتماعية على رأس المال، مما يُلحق الضرر بالفقراء من خلال سنّ قوانين رجعية.

(3) العمل: "يُعزل العمال المأجورون عن عملهم، ويُستغَلّون، ويُحرمون من الحرية لأنهم مُلزمون بإطاعة أوامر رؤسائهم".

الانتقادات: إذا كان هذا الاغتراب والاستغلال ضارّين بالعمال، فلماذا يُوافقون على العمل؟ إذا كان الجواب "لأنهم سيُعانون من مشقة شديدة إن لم يفعلوا"، فإن هذا، بالمعنى الدقيق للكلمة، نقدٌ للسماح بالفقر، وليس نقدًا للسماح بالعمل المأجور.

(4) الأنانية: "عندما يتمكن الناس من امتلاك رأس المال بشكل خاص، فإنهم يسعون بأنانية إلى الربح فوق كل اعتبار، مما يؤدي إلى مزيد من عدم المساواة، والتدهور البيئي، والصناعات غير المنتجة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والاستعمار، والقتل الجماعي، والعبودية".

النقد: هذه أيضًا ادعاءات تجريبية قابلة للنقاش. ربما عندما يُمنح الناس السيطرة على رأس المال المملوك اجتماعيًا، فإنهم ينتزعون منه ثروات شخصية بأنانية. ربما عندما تكون البيئة خاضعة لسيطرة اجتماعية، يكون لدى كل فرد دافع فردي للإفراط في الحصاد والتلويث.

قد يكون تدخل الدولة في الاقتصاد سببًا رئيسيًا لوجود الصناعات غير المنتجة، والتلوث، وعدم الاستقرار الاقتصادي.

وأخيرًا، بعض أسوأ مرتكبي الشرور التاريخية هي الحكومات، وليست الشركات الخاصة.

نظرية العدالة كانصاف لجون راولز

بعض الناس مليارديرات، بينما يموت آخرون لأنهم فقراء للغاية ولا يستطيعون تحمل تكاليف الطعام أو الدواء. في العديد من البلدان، يُحرم الناس من حقوق حرية التعبير، والمشاركة في الحياة السياسية، أو السعي وراء مهنة، بسبب جنسهم أو دينهم أو عرقهم أو عوامل أخرى، بينما يتمتع مواطنوهم بهذه الحقوق. في العديد من المجتمعات، فإن أفضل ما يتنبأ بدخلك المستقبلي، أو ما إذا كنت ستلتحق بالجامعة، هو دخل والديك. يبدو للكثيرين أن هذه الحقائق غير عادلة. ويختلف آخرون: حتى لو كانت هذه الحقائق مؤسفة، فهي ليست قضايا عدالة. يجب أن توضح نظرية العدالة الناجحة سبب كون الظلم الواضح غير عادل، وأن تساعدنا في حل النزاعات الحالية. كان جون راولز (1921-2002) فيلسوفًا من جامعة هارفارد، اشتهر بكتابه "نظرية العدالة" (1971)، الذي حاول تعريف المجتمع العادل. تشير كل مناقشة أكاديمية معاصرة تقريبًا حول العدالة إلى "نظرية العدالة". تستعرض هذه المقالة موضوعاتها الرئيسية.

"الوضع الأصلي" و"ستار الجهالة":

كثيرًا ما يختلف العقلاء حول كيفية العيش، لكننا بحاجة إلى هيكلة المجتمع بطريقة يقبلها العقلاء فيه. يمكن للمواطنين أن يحاولوا الاتفاق جماعيًا على قواعد أساسية. لسنا بحاجة إلى تحديد كل تفصيلة: قد نهتم فقط بالقواعد المتعلقة بالمؤسسات السياسية والاجتماعية الرئيسية، مثل النظام القانوني والاقتصاد، التي تُشكل "البنية الأساسية" للمجتمع. كما يُعدّ الاتفاق الجماعي على البنية الأساسية للمجتمع مثالًا مثاليًا جذابًا. لكن بعض الناس أقوى من غيرهم: قد يكون بعضهم أكثر ثراءً، أو جزءًا من أغلبية اجتماعية. إذا استطاع الناس الهيمنة على المفاوضات بناءً على صفات، كما يصفها راولز، تعسفية أخلاقيًا، فهذا خطأ. لا يكتسب الناس هذه المزايا، بل يحصلون عليها بالصدفة. إن استغلال أي شخص لهذه المزايا غير المستحقة لمصلحته الخاصة أمرٌ غير عادل، ومصدرٌ للعديد من المظالم. هذا يُلهم ادعاء رولز المحوري بأن علينا أن نتصور العدالة "كإنصاف". ولتحديد الإنصاف، يُطور رولز مفهومين مهمين: الوضع الأصلي وحجاب الجهل. الوضع الأصلي هو وضع افتراضي: يسأل رولز عن القواعد والمؤسسات الاجتماعية التي سيوافق عليها الناس، ليس في نقاش فعلي، بل في ظل ظروف عادلة، حيث لا أحد يعلم ما إذا كانوا محظوظين. يتحقق الإنصاف من خلال حجاب الجهل، وهو أسلوب مُتخيل حيث يمتلك الأشخاص الذين يختارون البنية الأساسية للمجتمع ("المُتداولون") سمات أخلاقية تعسفية مخفية عنهم: بما أنهم لا يعرفون هذه السمات، فلا يمكن أن يكون أي قرار يتخذونه متحيزًا لصالحهم. مع ذلك، فإن المُتداولين ليسوا جاهلين بكل شيء. إنهم يعلمون أنهم مهتمون بمصلحتهم الذاتية، أي أنهم يريدون أكبر قدر ممكن مما يُسميه رولز الخيرات الأولية (الأشياء التي نريدها، بغض النظر عن شكل حياتنا المثالية). كما أنهم مدفوعون بشعورٍ ضئيلٍ بالعدالة: فهم يلتزمون بالقواعد التي تبدو عادلة، حتى لو التزم بها الآخرون. كما أنهم على درايةٍ بالحقائق الأساسية عن العلم والطبيعة البشرية.

مبادئ رولز للعدالة

يعتقد رولز أن المجتمع العادل سيتوافق مع القواعد التي يتفق عليها الجميع في الوضع الأصلي. ولأنهم يتداولون وراء ستار الجهل، فإن الناس لا يعرفون ظروفهم الشخصية، أو حتى نظرتهم للحياة الكريمة. وهذا يؤثر على أنواع النتائج التي سيؤيدونها: على سبيل المثال، سيكون من غير المنطقي أن يوافق المتداولون على مجتمع يتمتع فيه المسيحيون فقط بحقوق الملكية، لأنه إذا رُفع الستار، وتبين أنهم ليسوا مسيحيين، فسيؤثر ذلك سلبًا على آفاق حياتهم. وبالمثل، يُفترض أن المتداولين لن يختاروا مجتمعًا به ممارسات عنصرية أو جنسية أو غيرها من الممارسات التمييزية الجائرة، لأنهم قد يقعون، وراء الستار، في الجانب الخطأ من هذه السياسات. هذا يُفضي إلى مبدأ رولز الأول في العدالة: لجميع الناس الحق في المطالبة بنفس القدر من الحرية الذي يتمتع به الآخرون. كما يزعم راولز أيضًا أنه نظرًا لجهلهم الذي يتضمن جهلًا بالاحتمالات، فإن المداولين سيكونون حذرين للغاية، وسيطبقون ما يسميه مبدأ "التعظيم": سيهدفون إلى ضمان أن يكون أسوأ وضع ممكن قد ينتهي بهم الأمر فيه هو الأفضل قدر الإمكان من حيث السلع الأساسية. إذا تخيلنا أنفسنا مداولين، فقد ننجذب إلى فكرة المساواة التامة في السلع الأساسية. هذا يضمن، على الأقل، ألا يكون أحد أفضل حالًا منك لأسباب تعسفية. ومع ذلك، قد يكون بعض التفاوت مفيدًا: فإمكانية كسب المزيد قد تحفز الناس على العمل بجد أكبر، مما يؤدي إلى نمو الاقتصاد، وبالتالي زيادة إجمالي الثروة المتاحة. هذا ليس تأييدًا كاملًا للرأسمالية، كما يوضح مبدأ راولز الثاني، الذي يتناول التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. يتكون المبدأ الثاني من شقين:

أولًا، لن يتسامح الأشخاص في الوضع الأصلي مع التفاوتات إلا إذا لم تُخصص لهم الوظائف ذات الأجور الأعلى بشكل غير عادل. هذا يُعطينا مثالًا للمساواة العادلة في الفرص: لا يُسمح بأوجه عدم المساواة إلا إذا نشأت من خلال وظائف يتمتع فيها الأشخاص ذوو المواهب المتساوية بفرص متساوية في الحصول عليها. يتطلب هذا، على سبيل المثال، أن يحصل الشباب على فرص تعليمية متساوية تقريبًا؛ وإلا، فقد يُعيق الفرد الموهوب بسبب نقص المعرفة الأساسية، سواءً بمواهبه الخاصة أو بالعالم.

ثانيًا، بما أن منطقهم يحكمه مبدأ "التعظيم"، فإن المداولين لن يتسامحوا إلا مع أوجه عدم المساواة التي تُفيد الفئات الأكثر تضررًا: وبما أنهم، على حد علمهم، قد يكونون الأكثر تضررًا، فإن هذا يُعظم جودة أسوأ نتيجة ممكنة لهم. وهذا ما يُسمى بمبدأ الاختلاف.

هذه المبادئ مُرتبة، وهو ما يُخبرنا بما يجب فعله في حال تعارضها: الحرية المتساوية هي الأهم، ثم تكافؤ الفرص، وأخيرًا مبدأ الاختلاف. لذا، لا تخضع الحريات ولا الفرص لمبدأ الاختلاف.

العدالة التوزيعية: كيف ينبغي تخصيص الموارد؟

بينما نكتب هذا، تبلغ ثروة جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، 188 مليار دولار. أي ما يزيد بنحو مليار دولار عن اليوم السابق. وهذا المليار دولار هو مبلغ أكبر مما كنت ستحصل عليه لو كنت تكسب 1000 دولار يوميًا، كل يوم، منذ وفاة المسيح. في الوقت نفسه، يعيش مئات الملايين من الناس حول العالم في فقر مدقع. وبالنسبة للكثيرين، فإن الفقر المدقع لا يفصلهم سوى فاتورة مستشفى أو حصاد فاشل. هذا مثال على توزيع الثروة والموارد الاقتصادية. هناك سلع أخرى ذات صلة هنا أيضًا، مثل التعليم والرعاية الصحية والإسكان. توزيع هذه السلع مهم لأنه يساهم في رفاهيتنا. ومع ذلك، فإن هذه السلع القيّمة نادرة: كيف ينبغي توزيع السلع التي تساهم في الرفاهية؟ هذا هو سؤال العدالة التوزيعية.

المساواة

أحد المقترحات هو أن يحصل الجميع على السلع التي تؤدي إلى قدر متساوٍ تقريبًا من الرفاهية. وهذا ما يُسمى بالمساواة. قد تبدو المساواة عادلة: فالناس متساوون أخلاقيًا، لذا يجب أن يتمتعوا بقدر متساوٍ من الرفاهية. ان المساواة لا تعني دائمًا امتلاك نفس السلع تمامًا: يجب أن نأخذ في الاعتبار بعض الحقائق المتعلقة بالأشخاص: على سبيل المثال، قد يحتاج الأشخاص ذوو الإعاقات الجسدية إلى مزيد من المال لتحقيق نفس مستوى الرفاهية، مثلاً لدفع ثمن كرسي متحرك أو مرافق رعاية المسنين. لكن الاعتقاد بأن المساواة التوزيعية في حد ذاتها قيّمة له بعض الآثار غير البديهية. هذا يعني أنه من الأفضل أحيانًا جعل الناس أسوأ حالًا دون تحسين حال أي شخص: على سبيل المثال، إذا دمرت عاصفة منازل في منطقة غنية من المدينة، مما جعل الأغنياء أقرب إلى مستوى رفاهية الفقراء، يبدو أن المساواة تشير إلى أن هذا أمر جيد لأنه يجعل الأمور أكثر مساواة. لتجنب مثل هذه التداعيات، يجادل كثيرون بأن التفاوتات قد تكون مبررة أحيانًا. على سبيل المثال، بدأت النقاشات المعاصرة حول العدالة التوزيعية فعليًا مع نشر نظرية راولز في العدالة. اقترح راولز أن التفاوتات تكون مبررة إذا - وفقط إذا - أفادت الفئات الأقل ثراءً في المجتمع. لا تزال هذه وجهة نظر مساواتية، حيث يُنظر إلى التوزيع المتساوي على أنه الأساس، ويجب تبرير أي انحراف عنه.

على عكس راولز، رفض آخرون فكرة أن المساواة التوزيعية هي الأساس الأخلاقي تمامًا. نستعرض هنا بعض المبادئ المؤثرة التي دافع عنها الفلاسفة ردًا على مبدأ المساواة وتقديره للمساواة في العدالة التوزيعية.

الأولوية

ينص أحد بدائل مبدأ المساواة على أنه كلما قلّت السلع القيّمة التي يمتلكها الفرد، زادت أهمية السلع الإضافية: على سبيل المثال، ألف دولار إضافية تُهمّ شخصًا فقيرًا أكثر من ملياردير. لذا، إذا كان بإمكاني تقديم منفعة واحدة لشخص ذي مستوى رفاهية منخفض أو لشخص ذي مستوى رفاهية مرتفع، فمن المنطقي منحها للشخص ذي مستوى الرفاهية الأقل. تُسمى هذه النظرة بالأولوية. لا تُعنى الأولوية بعدم المساواة في حد ذاتها: بل تعني أن إعادة التوزيع يجب أن تصبّ غالبًا في صالح الأقل ثراءً. يُعطي أصحاب الأولوية أولويةً مُرجّحة، وليست مُطلقة، للأقل ثراءً. ومع ذلك، هذا يعني أنه إذا استطعنا إفادة الأغنياء بشكل كبير بتكلفة زهيدة على الفقراء، فإن هذه المنفعة قد تفوق أسبابنا لإفادة الفقراء. ولكن في معظم الحالات الواقعية، يُساعد أصحاب الأولوية الأقل ثراءً أولًا. ومع ذلك، يعتقد الكثيرون أنه من المهم للغاية ألا يعيش الناس في فقر، وهو ادعاء يختلف عن إعطاء أولوية مرجحة لاحتياجاتهم. وهذا يقودنا إلى الاقتراح الثالث: الكفاية.

الكفاية

هذا الاقتراح الثالث هو أن على كل فرد أن يحقق حدًا أدنى أو حدًا أدنى من بعض السلع القيّمة، مثل الدخل أو التعليم أو الرعاية الصحية. يجب أن يكون لدى كل فرد ما يكفي على الأقل للوصول إلى هذا الحد. وهذا ما يُسمى بمذهب الكفاية. تعتمد معقولية هذا المذهب على كيفية تطويره: ما الذي يُعد "امتلاكًا كافيًا"؟ الإجابات الشائعة هي أن الناس يجب أن يكونوا قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية أو أن يكونوا راضين بما لديهم. تثير هذه الإجابات تساؤلاتٍ خاصة، مثل غموض معنى "الكفاية". لذلك يدافع البعض عن مبدأ الكفاية على أساس أننا نهتم بعدم المساواة لأن بعض الناس في وضعٍ سيء للغاية: فعندما نجد حالاتٍ من عدم المساواة المُقلقة، مثل التشرد في مجتمعٍ غني، فإن ما يُثير الاعتراض ليس فارق الثروة، بل كون المشردين في وضعٍ سيءٍ للغاية. من الاعتراضات المهمة على مبدأ الكفاية أنه يُفضّل رفع مستوى معيشة الناس فوق الحد الأدنى على أي منفعةٍ أخرى مُمكنة للآخرين: على سبيل المثال، منفعةٌ لشخصٍ واحدٍ تحت الحد الأدنى مباشرةً تُفضّل دائمًا على منفعة ألف شخصٍ فوق هذا الحد مباشرةً. يُعارض الكثيرون هذا الرأي. وجهة نظر أخيرة حول العدالة التوزيعية هي أنه يجب التركيز على كيفية حدوث التوزيعات، وليس على التوزيع نفسه. وهذا ما تنادي به الليبرالية. يقدم روبرت نوزيك مثال ويلت تشامبرلين الشهير. يجعلنا نوزيك نتخيل أناسًا يعطون ويلت دولارًا واحدًا من أموالهم الخاصة مجانًا لمشاهدته يلعب كرة السلة. في هذه الحالة، يحق لويلت الحصول على هذا المال شرعيًا، وبالتالي سيكون من الظلم أن تأخذ الحكومة جزءًا من أمواله، تحت التهديد بالقوة، لإعادة توزيعها. يجادل نوزيك، إذًا، بأنه إذا حُرمت حقوق الناس في اكتساب ونقل السلع - مستبعدين، على سبيل المثال، اكتساب أو نقل السلع باستخدام القوة أو السرقة أو الخداع - فلا يمكننا الاعتراض على مثل هذه التوزيعات باعتبارها غير عادلة، مهما كانت النتيجة النهائية. تعرضت الليبرالية لانتقادات شديدة. ومن المشكوك فيه ما إذا كان التوزيع الحالي للدخل والتعليم والرعاية الصحية، على سبيل المثال، ناتجًا عن أنواع المعاملات الطوعية التي يتطلبها الليبرتاريون.

حجة روبرت نوزيك "ويلت تشامبرلين" لدعم الليبارتارية

بعض الناس أغنياء، والبعض الآخر فقراء. هل هذا أمرٌ سيء؟ يجادل كثيرون بأنه من الظلم أن يكون المجتمع يعاني من تفاوتٍ عميق، وأن على الحكومة التدخل لتوزيع الثروة من فاحشي الثراء على الجميع. يخالف الفيلسوف روبرت نوزيك (1938-2002) هذا الرأي. فرغم أن إعادة توزيع الثروة قد تبدو منطقية، إلا أن نوزيك يعتقد أن قصة نجم كرة السلة ويلت تشامبرلين (1936-1999) تُظهر لماذا لا ينبغي للحكومة أن تأخذ من الأغنياء لمساعدة الآخرين. تشرح هذه المقالة حجة نوزيك التي يستخدمها لدعم "الليبرالية"، وهي وجهة نظره القائلة بأن دور الحكومة ليس إعادة توزيع الثروة، بل تعزيز الحرية.

. قصة ويلت تشامبرلين

تخيل أن تشامبرلين وقّع عقدًا مع فريقه لكرة السلة. يمنح العقد تشامبرلين ٢٥ سنتًا عن كل تذكرة مباعة للمباريات التي يشارك فيها. خلال موسم كرة السلة، يحضر مليون شخص لمشاهدة تشامبرلين. في نهاية الموسم، يصبح أغنى بمقدار ٢٥٠ ألف دولار عن ذي قبل. لا يبدو أن أحدًا يرتكب أي خطأ بدفعه لمشاهدة تشامبرلين. يحق للناس إنفاق أموالهم كما يحلو لهم. لا أحد يتضرر من هذا. لذا، إذا سمحت الحكومة للناس بإنفاق أموالهم بحرية، فلن يكون هناك ما يمنع أي شخص من تحقيق أقصى ثراء ممكن بناءً على موهبته أو اجتهاده أو حظه أو أي شيء آخر.

لا حدود للتفاوت

يجادل نوزيك بأنه بما أن أشخاصًا مثل تشامبرلين يمكنهم الثراء دون حدوث أي مكروه، فلا ينبغي أن يكون هناك حد لمدى تفاوت المجتمع. لا ينبغي للحكومة أن تتدخل لأخذ المال من أي شخص طالما أنه مُنح له بحرية من شخص امتلكه عن حق في المقام الأول. لذا، طالما لم يسرق أحد المال لإعطائه لتشامبرلين، فلا ينبغي للحكومة أن تأخذ أموال تشامبرلين.

منع التفاوت يُخنق الحرية

يجادل نوزيك بأن ضمان المساواة في الثروة يتطلب انتهاكًا غير مبرر للحرية. أي قدر من التفاوت نعتبره "مفرطًا" هو مستوى يمكن الوصول إليه بشيء مثل مثال تشامبرلين. لمنع المجتمع من الوصول إلى هذا التفاوت، يتعين على الحكومة منع المعاملات الحرة، أو إلغاؤها فورًا. سيتعين عليها إما أن تجعل توقيع تشامبرلين على صفقته أمرًا غير قانوني، أو أن تأخذ المال بمجرد كسبه. يعتقد نوزيك أن هذا التنظيم الصارم، أو الاستعادة المستمرة، سيكون ظالمًا. سيتعين على الحكومة أن تمنع الناس من القيام بأشياء مقبولة تمامًا، مثل دفع مبالغ إضافية لمراقبة تشامبرلين، وإلا سيتعين عليها مصادرة أمواله بمجرد كسبها. لكن من الخطأ تقييد الحرية بهذه الطريقة، أو مصادرة دخل تشامبرلين بهذه الطريقة. انه لا ينبغي للحكومة أن تحاول إعادة توزيع الثروة. وهذا صحيح حتى لو كان الوضع الناتج غير متكافئ للغاية، مثل تشامبرلين ثري في مجتمع فقير.

الليبارتارية

حجة نوزيك حول ويلت تشامبرلين هي إحدى الحجج التي يستخدمها للدفاع عن وجهة نظره القائلة بأن أفضل أنواع الحكومات هي تلك التي لا تتدخل في الحرية. دور الحكومة هو تعزيز حرية الجميع، وليس إعادة توزيع الثروة أو تعزيز المساواة الاقتصادية. لذلك، يُعرف نوزيك بأنه "ليبرالي". أحيانًا تُستخدم كلمة "ليبرالي" بمعنى آخر. لكن في الفلسفة السياسية، تشير إلى من يعتقدون أن على الحكومة تعزيز الحرية.يجادل بعض الليبرتاريين بأننا نحتاج إلى المساواة الاقتصادية للحفاظ على الحرية. لكن نوزيك يختلف معهم. تهدف حجة ويلت تشامبرلين التي يقدمها إلى إظهار أن تحقيق المساواة الاقتصادية من شأنه أن يتدخل في الحرية. تتناقض الليبرتارية مع الرأي الذي دافع عنه الفيلسوف جون راولز. يعتقد راولز أن الحكومة أكثر من مجرد مدافع عن الحرية. إنها أيضًا مشروع تعاوني. وبالتالي، يجب أن نوزع منافع هذا التعاون بشكل عادل، وهذا يشمل الدخل الذي يجنيه الناس في المجتمع. يرى رولز أن هذا يتطلب توزيعًا أقرب إلى المساواة، بدلًا من ترك الأغنياء يزدادون ثراءً.

الاعتراضات

وُجّهت اعتراضات عديدة على حجة نوزيك. أحد هذه الاعتراضات هو أن نوزيك مخطئ في ادعائه بأنه طالما تصرف الجميع بحرية، فلا حرج في النتيجة. ربما تؤدي بعض الخيارات الحرة إلى نتائج غير مقبولة. على سبيل المثال، عندما يصبح ويلت تشامبرلين أغنى بكثير من أي شخص آخر، يصبح قويًا ومؤثرًا. يمكنه شراء جميع الشقق وفرض إيجارات علينا للسكن فيها، مما يزيده ثراءً ويزيدنا فقرًا. يمكنه استثمار الأموال في مشاريع مربحة، واستخدام العائدات لتوسيع استثماراته. يمكنه نقل هذه الأموال إلى أبنائه الذين يفعلون الشيء نفسه. قد تكون النتيجة انقسامات طبقية عميقة تستمر قرونًا.لذا، يجادل البعض بأنه لمنعه من امتلاك سلطة مفرطة، يجب على الحكومة إعادة توزيع ثروته الزائدة. وإلا، فلن يكون الناس أحرارًا. سيُسيطر على حياتهم رجال أعمال مثل تشامبرلين وذريته.هناك اعتراض آخر يتمثل في أن نوزيك مُخطئ في ادعائه بأن التصرفات الحرة ستُفسد أي توزيع مُفضل للموارد. ربما يكون صحيحًا أننا لا نستطيع جميعًا الحصول على ثروة متساوية بعد خمس دقائق من انتهاء موسم كرة السلة إلا إذا استخدمت الحكومة يدًا غليظة لإعادة توزيع الأموال. ولكن ربما يكون من الأنسب ضمان تساوي الثروة على مدى فترة زمنية أطول. على سبيل المثال، ربما ينبغي على الحكومة ضمان حصولنا جميعًا على ثروة متساوية تقريبًا طوال حياتنا، بدلًا من تساويها في جميع الأوقات، بما في ذلك بعد موسم كرة السلة مباشرةً. يُمكن للحكومة فرض ضريبة إضافية بسيطة على ويلت تشامبرلين كل عام. ثم يُمكنها إنفاق هذه الأموال على أمور تُفيد الأقل ثراءً، مثل إعانات البطالة. بمرور الوقت، ستعود أموال تشامبرلين الإضافية من كرة السلة إلى الآخرين، مما يضمن المساواة طوال حياة الجميع، بدلًا من أن تُدفع مباشرةً بعد موسم كرة السلة. أثارت حجة ويلت تشامبرلين جدلاً واسعاً حول أنواع العلاقات القائمة (أو التي ينبغي أن تكون قائمة) بين الحكومة والحرية والموارد.ولأن هذا المثال يُبرز بفعالية مواضيع رئيسية، مثل كيفية تعارض الحرية مع التوزيعات المحددة، فقد ظلّ مثالاً خالداً في الفلسفة السياسية.

الخاتمة

يُرجّح أن العيش في ظل عقد أفضل من العيش في حالة الطبيعة. مع ذلك، تبقى بعض التساؤلات.

أولاً، عادةً ما نوافق صراحةً على العقود، لكننا لم نفعل شيئًا كهذا للمجتمع. إذا قيل إننا نوافق ضمنيًا، أي أننا وافقنا ضمنيًا، يُجيب لوك: "تكمن الصعوبة فيما يجب اعتباره موافقة ضمنية، وإلى أي مدى يُنظر إلى أي شخص على أنه قد وافق، وبالتالي خضع لأي حكومة، حيث لم يُبدِ أي تعبير عن ذلك على الإطلاق." لم نوافق صراحةً على أي عقد اجتماعي. هل يوافق المواطنون بمجرد التمتع بمزايا الأشياء التي لا تُتاح إلا بالعيش في المجتمع؟ على سبيل المثال، تُعدّ القدرة على القيادة على الطرق العامة ميزة. لكن هذا لا يتحقق إلا بوجود طرق ممولة حكوميًا. ما لم يرفض شخص ما القيادة على الطرق العامة، بقبوله هذه الميزة، فهل يُعتبر "موافقًا" ضمنيًا؟

يُعد مفهوم لوك للموافقة الضمنية إشكاليًا لأنه يفترض موافقةً مبنيةً على تلقينا منافع. ومع ذلك، تُعد الموافقة الصريحة مهمةً لأن هذا النوع من الموافقة هو علامةٌ على الدخول طواعيةً في عقد. غالبًا ما تكون الموافقة الصريحة بالغة الأهمية - لنأخذ الموافقة في العلاقات الجنسية - ولكن لا يتم الحصول عليها، أو حتى السعي إليها، للمشاركة في المجتمع والحصول على منافع منه.

وهناك مشكلةٌ ثانيةٌ أعمق في مفهوم العقد الاجتماعي، وهي من استُبعد ومن استُبعد. من لم يُسمح له بتوقيع العقد أو المساعدة في صياغته؟ في العديد من المجتمعات، تم استبعاد النساء وغير الأوروبيين عمدًا، وبالتأكيد لن يوافق العديد من الأفراد والمجموعات على الكثير من سياسات وممارسات الحكومات، سواءً في الماضي أو الحاضر.

يمكننا الآن أن نرى كيف يُمكن لنظرية راولز أن تُقيّم القضايا التي طُرحت سابقًا. على الأقل في مجتمعات محددة، يبدو أن كلاً منهما ينتهك مبادئ العدالة الأساسية، وبالتالي يُدان بالظلم. لذا، حتى لو رفضنا في نهاية المطاف نهج راولز، فإنه على الأقل يبدو أنه يقدم إجابات صحيحة بديهيًا في عدة قضايا مهمة، ولأسباب معقولة. من الصعب استخلاص استنتاجات عامة مبررة حول ماهية الرأسمالية أو الاشتراكية الصرفة عمليًا. لكن دراسة مزايا وعيوب كل نظام تُعطينا بعض التوجيهات حول ما إذا كان ينبغي لنا توجيه المجتمع في أيٍّ من الاتجاهين. بغض النظر عن وجهة النظر التي نؤيدها بشأن العدالة التوزيعية، فإن عالمنا الحالي لا يرقى إلى مستوى هذا المثل. عالمنا عالمٌ يسوده عدم المساواة وعدم الكفاية، ولكنه أيضًا عالمٌ يسوده الهدر والإسراف. ورغم اختلاف هذه النظريات، فإنها تتفق جميعها على أن التوزيعات الحالية بعيدة كل البعد عن العدالة، وبالتالي فإن تناول هذه القضايا بوعي وحكمة من شأنه أن يُسهم في تقريبنا من العدالة. فأين الحكمة في التبرير القانوني للنظام السياسي الاقتصادي الذي يعيد انتاج التفاوت بين الأفراد والجهات والدول والشعوب ويعيد تصدير الظلم الحضاري والأزمات الى الأمم المهزومة؟

كاتب فلسفي

 

المراجع

Beitz, Charles (1979) ‘Bounded Morality: Justice and the State in World Politics’ International Organization, 33: 405–424.
Carole Pateman, The Sexual Contract (Stanford University Press, 1988)
Charles W. Mills, The Racial Contract (Cornell University Press, 1997)
Daniels, Norman (2007), Just Health: Meeting Health Needs Fairly Cambridge University Press
Gauthier, David (1986) Morals by Agreement Oxford University Press
Gilbert, Margaret (2006) ‘Reconsidering Actual Contract Theory’ in A Theory of Political Obligation: Membership, Commitment, and the Bonds of Society. Oxford University Press. 215-238
Glover, Jonathan (1990) Utilitarianism and its Critics Macmillan Publishing
Harsanyi, John (1975) ‘Can the Maximin Principle Serve as a Basis for Morality? A Critique of John Rawls’ Theory’ America Political Science Review 69(2): 594-606
Kant, Immanuel (1793) ‘On the common saying: this may be true in theory but it does not apply in practice’ in Kant’s Political Writings (1970), edited by Hans Reiss, translated by H. B. Nisbet. Cambridge University Press (61-93)
Hume, David (1738) A Treatise of Human Nature
John Locke, Second Treatise of Government (1690), ed. C.B. Macpherson (Hackett, 1980)
Jean-Jacques Rousseau, The Social Contract (1762) (Penguin Books, 1968)
Jean-Jacques Rousseau, Discourse on the Origin of Inequality (1754) (Indianapolis: Hackett, 1992)
Mills, Charles (2009) ‘Rawls on Race/Race in Rawls’ The Southern Journal of Philosophy (2009): 161-184
Moller Okin, Susan (1989) Justice, Gender and the Family New York: Basic Books
Narveson, Jan (2001) The Libertarian Idea Broadview Press
Nozick, Robert (1974) Anarchy, State and Utopia Wiley-Blackwell
Nussbaum, Martha, (2006), Frontiers of Justice: Disability, Nationality, Species Membership, Cambridge: Harvard University Press.
Rawls, John (2002) The Cambridge Companion to Rawls edited by Samuel Freeman. Cambridge: Cambridge University Press
Rawls, John (2005) Political Liberalism: Expanded Edition Columbia University Press
Rawls, John (1971) A Theory of Justice Cambridge, MA: Harvard University Press
Rawls, John (1999a) The Law of Peoples Cambridge, MA: Harvard University Press
Rawls, John (1999b) A Theory of Justice: Revised Edition Cambridge, MA: Harvard University Press
Rawls, John (2001) Justice as Fairness: A Restatement Erin Kelly ed. Cambridge, MA: Harvard University Press
Rowlands, Mark (1997) ‘Contractarianism and Animal Rights’ Journal of Applied Philosophy 14 (3):235–247
Shelby, Tommie (2013) ‘Racial Realities and Corrective Justice: A Reply to Charles Mills’ Critical Philosophy of Race 1(2): 145-162.
Sen, Amartya, (1980), ‘Equality of What?’ in Tanner Lectures on Human Values, S. MacMurrin (ed.), Cambridge: Cambridge University Press.
Sandel, Michael (1998) Liberalism and the Limits of Justice Cambridge: Cambridge University Press
Sen, Amartya (1992) Inequality Re-examined Cambridge, MA: Harvard University Press
Taylor, Charles (1985). ‘The nature and scope of distributive justice’ in Philosophy and the Human Sciences: Philosophical Papers 2 Cambridge: Cambridge University Press: 289-317
Wenar, Leif, (2017) ‘John Rawls’, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2017 Edition), Edward N. Zalta (ed.)
Thomas Hobbes Leviathan (1651), ed. Michael Oakeshott (Simon and Schuster, 1962)

كاتب فلسفي

 

تقديم
          حينما يكون موضوع حديثنا عن فلسفة التاريخ، فإنه يكون بشكل أو بآخر مرتبطا بالحديث عن أعظم عقل في التاريخ، وهو نفسه صاحب كتاب "العقل في التاريخ" ونعني به "جورج وليام فرديريك هيغل" [1831-1770]، الذي نظر إلى التاريخ على نحو مختلف عن كل الأحداث التاريخية وأخبار الممالك والدول التي كانت في القرون الأولى والتي سجلات من لدن المؤرخين في سجلات التاريخ. إن النظرة الهيجيلية للتاريخ هي نظرة لتاريخ العالم نفسِه؛ أو بالأحرى هي نظرة للتاريخ من حيث هو مسار صراع الروح وهي في رحلتها لكي تصل إلى مرحلة الوعي بذاتها. وهذا يعني في حقيقته أن للتاريخ غاية يسعى إلى تحقيقها، وليس هذه الغاية إلا تحقيق الوعي الذاتي للروح الذي لاينفك بأي حال من الأحوال عن الحرية؛ فالروح حرية، والحرية هي ماهية الروح وحقيقته. تاريخ العالم إذن هو مسار تكافح فيه الروح لكي تصل الى وعيها بذاتها؛ أعني أن تكون حرة. فلفهم هذا المسار، والمنظور الهيغيلي للتاريخ، نجد أنفسنا أمام اشكالات تكون هي محور اشتغالنا في هذه الدراسة، وهي كالآتي: ما المقصود بالتاريخ حسب هيغل؟ ما هي غايته؟ وهل له أي اتجاه؟ من أين يبدأ وأين ينتهي؟   

 والآن، بعد أن حصرنا موضوع مقالنا في هذه الإشكالات، كان لابد من أن نضع خطة منهجة، ولذلك عملنا على تقسيم هذه الدراسة إلى فصلين ومبحثين لكل منهما، وذلك على النحو التالي:

  • الفصل الأول: هيغل وعصره.
  • المبحث الأول: هيغل حياته وبعض أهم أعماله.
  • المبحث الثاني: الثورة الفرنسية وآثارها على هيغل.
  • الفصل الثاني: التاريخ والحرية في فلسفة هيغل.
  • المبحث الأول: التاريخ غايته ومسار تقدمه.
  • المبحث الثاني: الدولة البروسية ونهاية التاريخ.
  • الفصل الأول: هيغل وعصره.
  • المبحث الأول: هيغل حياته وبعض أهم أعماله.
    • حياته:

     هو جورج ويليام فردريك هيجل (Georg Wilhelm Friedrich Hegel)، ولد في ولايــة بادن فورتمبرغ الألمانية، في 27 أغسطس 1770، وكان الإبن الأكبر في أسرة متواضعة، حيث يعمل الأب كموظف صغير في الحكومة. وأظهر هيجل منذ سن مبكر ميلا قويا نحو دراسة التاريخ  والآداب اليوناني واللاتيني، ولما بلغ الثامنة عشر إلتحق بجامعة توبنغن، واختار التخصص في دراسة اللاهوت، لكنه كان مدفوعا بطموح أكبر يتجاوز هذا اللون من الدراسة إلى دراسة الطبيعة والفلسفة. لقد أعجب هيغل إلى حد كبير بأفكار جان جاك روسو، خصوصا تلك المتضمنة في كتابه ”العقد الإجتماعي“، كما انجذب إلى أفكار كانط وأفلاطون وغيرهم من الفلاسة الذين كان لهم الفضل في توجيهه الفلسفي.[2]

الحديث عن موضوع الجمال جعلني أقف وقفة تأملية حائرة ،كيف سأتحدث عن هذا الموضوع الذي يندرج في السهل الممتنع، نظرا لكونه متداخل و عميق و يمكن مناقشته من أكثر من زاوية و مرجعية، وغالبا ما نجده من المواضيع الفلسفية الحاضرة بقوة. وقد كان الاهتمام به بالغا لدى اليونان عبر تاريخ الفلسفة، لكنه مع ذلك يظل منتسبا لمجال المعرفة النظرية و السلوك الأخلاقي أي أنه متعالي عما هو ملموس.
لكن الحديث هنا سيكون عن الجمال شكلا ، بالرغم من أني على إيمان تام بوقع الجمال الداخلي، و الروحي الموجود بسجية الإنسان و فطرته، و انعكاسه على الجمال الخارجي و ربما يجعله يطغى و يغطي رؤية و رأي من حولنا، لننتصر لقول ديفيد هيوم "الجمال ليس خاصية في ذات الأشياء بل في العقل الذي يتأملها".

الإنفلات من المعايير الثابثة و المحلية للجمال
لطالما كان الجمال محل إهتمام بني البشر منذ سالف الأزمنة باختلاف الحضارات، الإنسانية المتعاقبة و المختلفة.
و الاهتمام بالشكل ليس وليد اللحظة أو العصر الحالي فقط، و إنما وجد منذ عصور غابرة، لكن بطرق و تقنيات متباينة،بالإعتماد على الطبيعة و عادات و تقاليد المجتمعات و الحضارات، كالحضارة اليونانية أو الرومانية ،المصرية القديمة و أيضا الصينية و الهندية القديمة، فكل واحدة منها كانت تعتمد على معايير معينة تعتبر مقياسا للجمال آنذاك ،كلون البشرة الفاتح مثلا و العيون الواسعة أو الكمال الجسدي و لون الشعر و شكل الشفاه و الجبهة ، و هذا طبعا دون إغفال الجانب الروحي في المسألة، و بالتالي كان هناك نمط معين للجمال بأوصاف محددة و ثابثة، يجب توفرها في المرأة المنتمية لإحدى الحضارات،و هو أيضا ما يمكن أن نلمسه في المجتمعات الصحراوية التي تعتبر السمنة رمزا للجمال ، حيث يتم إخضاع الفتيات لعملية التسمين منذ صغرهن.

عادة ما يتم تقسيم الشعوب إلى ثلاثة أقسام، حسب التنوع الجيني البيض "القوقاز " و الآسيويون "المغول" و السود "الزنوج"، و تتميز كل سلالة بمواصفات متفردة للوجه و العيون و الأنف و لون البشرة ، تجعل لنا القدرة على اكتشاف جنسية الشخص أمامنا بمجرد النظر إلى تقاسيم وجهه و ملامحه ... مما يحيلنا على مميزات للجمال محلية، تحمل طابع الخصوصية و الإنتماء.

كانت الفترة الممتدة من عام 1918 إلى عام 1928 فترة أزمات واضطرابات اجتماعية مفاجئة في الولايات المتحدة، حيث لم يتمكن سوى القليل من الهروب من المفارقات المؤلمة التي رافقت العصر الجديد. لا شك أن هذه السنوات من المعاناة التي عاشها البيض والأميركيون من أصل أفريقي على حد سواء كانت أشد وطأة على الأميركيين السود. وعلى أية حال، لم يدخر زعيمها "ويليام إدوارد بورغاردت دو بوا"  William Edward Burghardt Du Boisأي جهد في اقتراح رؤية جديدة للعالم على شعبه، والتي كانت تتمثل في الالتزام دون تحفظ بإعادة البناء الاجتماعي والاقتصادي لفترة ما بعد الحرب.

وُلِد وليام دو بوا في 23 فبراير 1868 في "جريت بارينغتون" Great Barrington,وهي بلدة صغيرة في غرب "ماساتشوستس" Massachusetts ولذلك لم يشهد دو بوا أهوال العبودية. كان جده لأبيه هوغونوتيًا" huguenot من أصل "فلاندرز،" Flandres هاجر إلى أمريكا الشمالية عبر هولندا وجزر الأنتيل في بداية القرن الثامن عشر. لا يقدم دو بوا الكثير من التفاصيل حول هذا الفرع من شجرة عائلته. ومن ناحية أخرى، فإنه يعطينا الكثير من المعلومات عن الفرع الأمومي، عائلة "بورغاردت" Burghardt. وصل هؤلاء إلى غريت بارينغتون في القرن الثامن عشر، ومثل البيض، اندمجوا مع تقاليد المدينة وتاريخها. وفي الأمور الدينية، كانوا أحياناً من الأسقفيين، وأحياناً أخرى من الطائفة الكنسية. لم يكن آل بورغاردت أغنياء جداً. ومع ذلك، كانوا يمتلكون منازلهم وبعض الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة. لقد عرفوا الحياة المنزلية والفقر أحياناً. وكان الجد، " أوتو بول بورغاردت" Otto Paul Burghardt قد حصل على حريته وحريه نسله كمكافأة على شجاعته خلال حرب الاستقلال. باختصار، نشأ ويليام الصغير على الجانب المشرق من الفقر.

لقد نشأ في مجتمع متسامح ومتكامل نسبياً. بعد إكماله للدراسات العليا في جامعة فريدريش فيلهلم Friedrich Wilhelm University في برلين وجامعة هارفارد Harvard University، حيث كان أول أمريكي من أصل أفريقي يحصل على درجة الدكتوراه، برز دو بوا على المستوى الوطني كزعيم لحركة نياجرا، وهي مجموعة من نشطاء الحقوق المدنية السود الذين يسعون إلى المساواة في الحقوق. عارض دو بوا وأنصاره تسوية أتلانتا. وبدلاً من ذلك، أصر دو بوا على الحقوق المدنية الكاملة والتمثيل السياسي المتزايد، والذي كان يعتقد أنه سيتم تحقيقه من قبل النخبة الفكرية الأمريكية من أصل أفريقي. وأشار إلى هذه المجموعة باسم العُشر الموهوب، وهو مفهوم تحت مظلة الارتقاء العنصري، وكان يعتقد أن الأمريكيين من أصل أفريقي يحتاجون إلى فرص التعليم المتقدم لتطوير قيادتهم.

كان دو بوا أحد مؤسسي الجمعية الوطنية لتقدم الملونين (NAACP) في عام 1909. استخدم دو بوا منصبه في NAACP للرد على الحوادث العنصرية. بعد الحرب العالمية الأولى، حضر مؤتمرات عموم إفريقيا، واعتنق الاشتراكية وأصبح أستاذاً في جامعة أتلانتا. بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انخرط في نشاط السلام واستهدفه مكتب التحقيقات الفيدرالي. أمضى السنوات الأخيرة من حياته في غانا وتوفي في أكرا في 27 أغسطس 1963.

التقاطع مفهوم اكتسب اهتماماً كبيراً في علم الاجتماع، وخاصة عند معالجة القضايا المتعلقة بعدم المساواة والعدالة الاجتماعية. التقاطعية هي إطار تحليلي اجتماعي لفهم كيف تؤدي الهويات الاجتماعية والسياسية للمجموعات والأفراد إلى مجموعات فريدة من التمييز والامتياز. تشمل أمثلة هذه العوامل الجنس، والطبقة، والعرق، والإثنية، والجنسانية، والدين، والإعاقة، والطول، والمظهر الجسدي، والعمر، والوزن. قد تكون هذه الهويات الاجتماعية المتقاطعة والمتداخلة تمكينية وقمعية في نفس الوقت.

نشأ التقاطع كرد فعل على كل من النسوية البيضاء وحركة التحرير السوداء التي يهيمن عليها الذكور آنذاك، مستشهدة بـ "القمع المتشابك" للعنصرية والتمييز على أساس الجنس والمعيارية الجنسية. إنها توسع نطاق الموجتين الأولى والثانية من النسوية، والتي ركزت إلى حد كبير على تجارب النساء البيض والطبقة المتوسطة، لتشمل التجارب المختلفة للنساء الملونات، والنساء الفقيرات، والنساء المهاجرات، وغير ذلك من المجموعات، وتهدف إلى فصل نفسها عن النسوية البيضاء من خلال الاعتراف باختلاف تجارب النساء وهوياتهن.

صاغت الأكاديمية الحقوقية الأمريكية "كيمبرلي كرينشو" Kimberlé Crenshaw مصطلح التقاطعية في عام 1989 وهي تصف كيف تؤثر أنظمة القوة المتشابكة على أولئك الأكثر تهميشاً في المجتمع. يستخدم الناشطون والأكاديميون هذا الإطار لتعزيز المساواة الاجتماعية والسياسية. تعارض التقاطعية الأنظمة التحليلية التي تعالج كل محور من محاور القمع بمعزل عن الآخر. في هذا الإطار، على سبيل المثال، لا يمكن تفسير التمييز ضد النساء السود على أنه مزيج بسيط من كراهية النساء والعنصرية، بل كشيء أكثر تعقيداً. والتقاطعية تصف الطرق التي تتقاطع بها الفئات الاجتماعية المختلفة - مثل العرق والجنس والطبقة والجنسانية - لخلق تجارب فريدة من التمييز أو الامتياز. وبدلاً من النظر إلى هذه الفئات بمعزل عن بعضها البعض، يسلط التقاطع الضوء على كيفية تفاعل أبعاد متعددة للهوية لتشكيل حياة الأفراد والمجموعات. يساعدنا هذا النهج على فهم كيف يمكن لأنظمة القمع - مثل العنصرية والتمييز على أساس الجنس والطبقية - أن تتداخل وتعزز بعضها البعض.

لقد أثرت التقاطعية بشكل كبير على النسوية الحديثة ودراسات النوع الاجتماعي. يقترح أنصارها أنها يعزز نهجاً أكثر دقة وتعقيداً لمعالجة القوة والقمع، بدلاً من تقديم إجابات مبسطة. يقترح منتقدوه أن المفهوم واسع جداً أو معقد، ويميل إلى تقليص الأفراد إلى عوامل ديموغرافية محددة، ويُستخدم كأداة أيديولوجية، ويصعب تطبيقه في سياقات البحث.

أصبحت الكثير من الدراسات في السنوات الأخيرة تحلل موضوع "الهويات الأوروبية"، أو تستخدم مفهوم "الهويات" في دراسة الاتحاد الأوروبي. وهذا أمر لا يمكن قوله عن المراحل السابقة في دراسات الاتحاد الأوروبي. حتى وإن تناوله بعض الرواد المؤسسين لدراسات الاتحاد الأوروبي في أعمالهم. على سبيل المثال، عرّف عالم السياسة الأمريكي المتخصص بالعلاقات الدولية "إرنست هاس" Ernst Haas التكامل الأوروبي بأنه عملية تنطوي على "تحول الولاءات" من قِبَل "الجهات الفاعلة السياسية في العديد من البيئات الوطنية المتميزة" إلى "مركز سياسي جديد.

في حين أدرج آخرين "الشعور بالمجتمع" في مفهوم للتكامل. إن الاهتمام الأكاديمي المتزايد بدراسة الهويات في أوروبا يستجيب لما تسميه بعض الباحثين "الدوافع الخارجية" و"الداخلية". إن الاهتمام الأكاديمي بالموضوع هو استجابة للتغيرات "على الأرض"، أو المحركات الخارجية. لقد كان سياق ما بعد الحرب الباردة، وما بعد ماستريخت، وحتى ما بعد "الحرب على الإرهاب" سياقاً حيث أصبح التكامل الأوروبي وأنواع معينة من الجدل حول الهوية أكثر إثارة للجدال. وقد أثار هذا تساؤلات حول العلاقة بين الهوية، من ناحية، وشرعية مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وآفاق الديمقراطية ذات المغزى خارج الدولة ومستقبل الاتحاد الأوروبي ذاته من ناحية أخرى. وعلاوة على ذلك، أدى التوسع الكبير والمستمر للاتحاد الأوروبي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، واحتمال عضوية تركيا، والصراع المتزايد حول التعايش بين التقاليد المسيحية والإسلامية والعلمانية في المجتمعات الأوروبية، إلى زيادة التنوع الثقافي في الاتحاد الأوروبي وأهمية المناقشات حول الهوية. ومع ذلك، فإن الاهتمام الأكاديمي بالهويات الأوروبية يعكس أيضاً تطور المناقشات النظرية حول الاتحاد الأوروبي، أو المحركات الداخلية. ليس من قبيل المصادفة أن يتزامن الاهتمام المتزايد بقضايا الهوية مع بداية ما تم وصفه بالمرحلة الثانية "تحليل الحكم" والمرحلة الثالثة "بناء الاتحاد الأوروبي" من بناء النظرية، والتي تركز المزيد من الاهتمام على قضايا السياسة والسياق الاجتماعي للتكامل الأوروبي.

«إنّ الانسجام هو المطلب الأوّل عند الفيلسوف وهو، مع ذلك، جدّ قليل. والمدارس اليونانيّة القديمة تقدّم عنه أمثلةً أكثر ممّا نجد في عصرنا التّوفيقي، الّذي تُبْتَدع فيه توليفاتٌ سطحيّة وغير نزيهة بين تناقضات أساسيّة، لأنّها تتمتّع بالقبول لدى جمهور يقنع بمعرفة القليل عن كلّ شيء، دون أن يعرف في العمق أيّ شيء..»[1]   

«إن وجهتنا الوحيدة هي التحليل «العلمي» لـ«عقل» تشكّل من خلال إنتاجه لثقافة معينة، وبواسطة هذه الثقافة نفسها: الثقافة العربية الإسلامية. وإذا كنا قد وضعنا كلمة «العلمي» بين مزدوجتين، فذلك إقرارا منّا منذ البداية بأن هذا البحث لا يمكن أن يكون علميا بنفس الدرجة من العلمية التي نجدها في البحوث الرياضية أو الفيزيائية. إن الموضوع هنا هو شيء منا، أو نحن شيء منه، فنحن أبينا أم رضينا مندمجون فيه. وكل أملنا هو أن نتمكن، في هذا البحث، من الصدور عن الالتزام الواعي لا عن الاندماج المشيء للفكر المعطل للعقل»[2]

فاتحة:

   أشرتُ في الهامش 30 من المقال الأوّل[3]، الّذي ناقشتُ فيه اعتراض العمري في كتابه "البلاغة العربية" على محمد عابد الجابري، إلى أنّ هذا المعترض حاول في مقاله اللّاحق «الوظيفة البلاغية والرؤية البيانية» المنشور ضمن المؤلَّف الجماعي «محمد عابد الجابري، المواءمة بين التراث والحداثة» إعادة الجابري إلى "النّظام البياني"، ووعدت بالوقوف عنده. وفي هذا المقال، وفي ما سيليه، سأركّز على مناقشة ما سطّره عن الجابري ابتداءً من الصفحة 104 تحت عنوان: " ثانيا: الجابري من الفلسفة إلى البلاغة"! وقد فضلتُ ألا أتعرّض لما قبل ذلك مما قاله تحت عنوان "أولا: الفلسفة والبلاغة"، ترفّعا عن مناقشة إسفافه في حضرة مفكّر فيلسوف. والنزّاهة تقتضي أن أحمل ما قصد إليه، مما تركتُ مناقشته هنا من كلامه المُمَهّد، على أحسن الوجوه الممكنة. وأبتدئ في هذا المقال بالوقوف عند ما سمّاه بـ "البلاغة في نسق «العقل البياني»، وذلك لارتباط مضمونه بما سبق أن أثاره في كتابه "البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها"، وأقف عند ادّعاء عجيب جديد يتمثّل في كون الجابري تحوّل عن عقلانية ديكارت وبداهته إلى البلاغة، وعند ما اعتبره نقطة التحوّل؛ على أن أخصّص لما سمّاه بـ "البلاغة التطبيقية" مقالا ثانيّا؛ وأجعل المقال الثّالث تركيبا للاستنتاجات، ومناقشة لها في ضوء الـ "رّؤيةٍ" الّتي يقول إنّه ينطلق منها، والـ "منهج" الذي يدّعي أنّه يصطنعه.

   المقال الأوّل الآتي يدور حول محورين، الأوّل هو اعتراض العمري على الجابري وما رصده لهذا الاعتراض من براهين، والثّاني ادعاؤه " تحول الجابري من الفلسفة إلى البلاغة". وأوضّح، في هذه الفاتحة، أنّ "الاعتراض" و "الادّعاء" وما يستندان عليه، كل ذلك ورد في المقال، موضوعَ المُدارَسَة، منتشرا مختلطا؛ لذا، فإنّ مناقشتَه تقتضي، بالإضافة إلى تلخيصه، ترتيبه وتخليصه من هذيان عظيم. وسأبتدئ من الاعتراض، وأُثَنّي بالوقوف عند دعاوى التّنبّه التّدريجي للجابري وتحوّله، في النّهاية، من الفلسفة إلى البلاغة عند نضجه واكتمال أدواته!

   لا يمكن اختصار منزلة السّؤال في كونه شكلاً وحيداً ومستقلاًّ من أشكال الخطاب الأدبي في مدوّنة التوحيدي، فهو يخترقُ أكثر من شكل فنجده في التّناظر كما في المنافرة وقد يكون أيضاً مُنطلقاً للرّواية والتّذاكر وغيرها. وليس المقصود هنا بالسّؤال مجرّد السّؤال العاديّ ذي البُعد التّواصلي بالأساس وإنّما السّؤال المُولّد للتّفكير ذي البعد التبصّري، فهو آليّة تفكير وأكثر منه مجرّد أداة تواصل وتبليغ، وهو الحامل لمُشكل معرفي قد يتجاوز الاستخبار ولا يتطلّب بالضّرورة إجابة مُحدّدة أو إجابة واحدة. هو تقريباً شبيه بالسّؤال التّوليدي* بالمعنى السّقراطي أي في معنى المُساءلة المستمرّة لتوليد المعارف والوصول إلى نتيجة مفادها أنّه لا توجد إجابة نهائيّة. وفي الكتاب الثامن من "المواضع " لأرسطو والمُخصّص لـ"ممارسة المُحادثة الجدليّة "نجدُ تنظيراً مخصوصاً بمنطق الأسئلة وتمشّياتها باعتبارها آليّة ضروريّة تسبق الفهم وإطلاق الأحكام وسمّاه "علم السّؤال*" وهو علمٌ واصفٌ للطّرق والآليات التي تُطرحُ بها الأسئلة على المُحاور.

   ولا يخفى أيضاً أهميّة السّؤال بالنّسبة للمفكّرين والفلاسفة ما بعد أرسطو، فـ"كارل يسبرز" مثلاً اعتبر الأسئلة أهمّ من الأجوبة في عمليّة التّفلسف، دون اعتبار طبعاً أنّ كلّ إجابة مفترضة تتحوّل بدورها إلى سؤالٍ فلسفيّ جديد، ومنه يُستنتج أنّ السّؤال الحامل لمشكل معرفي، بالقدر الذي يبعثُ فينا الدّهشة والتّفكير، يظلّ حاملاً في نفس الوقت لقوّته وحيويّته ومُتأبّياً عن الانغلاق والفناء في الإجابة. "والقُدرة على السّؤال تعني القُدرة على الانتظار ولو كان ذلك مدى الحياة كلّها"([1]) على حدّ عبارة هايدغر، ويقصد بذلك أنّ السّؤال الأصيل يظلّ متجذّراً في الجواب إلى ما لانهاية وهو ما يؤكّده في سياقٍ آخر مشابه قائلاً: "كلّما زاد اقترابنا من الخطر تبدأ الطّرق إلى المُنقذ تلمعُ بجلاء أكبر، ونُصبحُ أكثر تساؤلاً، ذلك أنّ التّساؤل هو قمّة التّفكير"([2]). ويذهبُ "موريس ميرلوبونتي" بعيداً في تناول فلسفة السّؤال بأن يمنحه بُعداً أنطولوجيّاً، أي أنّ الوجودَ الإنساني في حدّ ذاته سؤالٌ ومنذ أوّل سؤال يبدأ الإنسان في تخطّي عتبة الحيوانيّة ففي "المرئي واللاّمرئي" يقول: "إنّ الأسئلة مُحايثة لوجودنا، لتاريخنا، فهي تولد بداخلها، وتموت بداخلها كلّما حصلتْ إجابةٌ ما، وفي غالب الأحيان فإنّها تتحوّل بداخلنا"([3]).فكأنّما الأسئلة لا تموت باعتبارها جوهر الإنسان، وحتّى الإجابات لا تُنهي المساءلة بل تظلّ مستكنّة فيها، فهي في النهاية أسئلة مُقنّعة وإن ظهرتْ بمظهر الإجابات.

آخر المواضيع في

" البحر هو عالمك يا ولدي، هو أبوك بعدي.."
سمع الابن "بحر" هذا الكلام من أبيه مراراً، في مناسبات عدة، يقوله بنبرة مختلفة، وككل مرة الولد يطأطئ الرأس، يصيخ السمع، ويرخي أذنيه الصغيرتين عله يستوعب كلاماً كبيراً يتكرر بقرف، وبالرغم عنه تعلق هذا الكلام في ذاكرته، وسكن منه القلب والأهداب، بات عنده من النوع الذي يتعذر عليه نسيانه بسهولة، عالمه بحر كما يريده أبوه، واسمه " بحر".
يبحر مع أبيه، لا يشبع النوم، يصارع الأمواج من أجل سمكة.. كل ذلك في انتظار غدٍ آت مجهول لا يعلن عن هويته، سيأخذه على حين غرة.. أيام كثيرة، وأسماك كثيرة، " وبحر" وحيد، وطفل يريده أبوه أن يصبح لاسمه نصيب من عالم البحر.
كلما صحب أباه إلى البحر يتأكد بأن والده كان محقاً حين سماه " بحر"، صحيح هو اسم غريب غير شائع بين أقرانه، لكنه تعود عليه دون أن يحبه، أبوه حين يناديه به يحس أنه غير معني به أبداً، إنما نداؤه لواحد آخر، وحين ينظر إليه - كلما ناداه أوحدثه - يبدو له أبوه غريباً، وشخصاً بلا ملامح، أية رغبة تلك التي أملت عليه اختيار مثل هذا الاسم له !.
ربما للبحارة، كما السحرة، قصصهم، وتعاويذهم.. لاسبيل لمعرفة كنهها؛ وأبوه، في النهاية، واحد منهم، يعشق البحر، ويهيم تيهاً في مداه.
ككل صباح لا يفكر الأب في الإفطار، يبدو قوي البنية، ملح البحر بادية أثرها على تجاعيد وجهه، عيناه غائصتان زرقاوان كلون البحر، عريض ما بينهما، من يراه لأول مرة يجزم أنه نسي كيف يبتسم، وأن رأسه غريب عن جسده، إنه أب، وأنجب "بحر"، ويحب البحر.
"بحر" تعوّد في كل رحلة بحرية أن يجمع لوازم الصيد، يحتفظ دائماً بترتيبها حسب الحاجة لأن أباه يرفض أن يرى أمتعة وقد رتبت كيفما اتفق..
" بحر" الصغير تعود ألا يفطر في الساعات الأولى من الصباح، ولكنه لا ينسى زوّادته أبداً.. يتنهد، يحمل الأمتعة ويتبع أباه.

بلغ القطار المحطة النهائية منهكا بعد رحلة دامت ساعات متواصلة. تدافع الناس نزولا. ازدحام كبير يملأ المحطة التي ضجت بالحركة والنداءات والصراخ. أحضان وقبلات ودموع وشوق ولهفة بعد طول انتظار.

كئيبا بقي القطار ووحيدا يلفه الظلام. بدا لي كشيخ هرم اتشح بالعجز والضعف بعد أن أفنى كل عمره في عناق سرمدي مع السكة الحديدية، لا تضجره حرارتها فيتصبب عرقه، ولا تتسرب برودتها إلى مفاصله فتقض الآلام مضجعه. تناثرت سنوات عمره بين المدن والقرى والمداشر، يشقها جميعا في حياد تام، لا يُقيم فيها علاقات ولا يترك خلفه دموعا ونداءات ولا حتى تلويحات باليدين لتوديعه. تناثرت سنواته بين السهول والوهاد، تراه أحيانا منسابا في سيره يتلوى مثل ثعبان في صحراء فسيحة، وتراه أحيانا أخرى يلهث لييصّعّد هضبة أو مرتفعا. يتنكب المحطات الواحدة تلو الأخرى. يمضي غير عابئ بالذين يحملهم في جوفه، هو يعرف أن منهم المخمور والعابد والمقامر والمريض والمعافى والأرملة والمطلقة وبنت الليل والطالب والجندي والعامل والكادح والراغب في التجول. وغيرهم كثير. يصغي إلى همساتهم ويكتم أسرارهم.

سبع ساعات قضيناها محشورين في عربته الحديدية لا يؤنسنا سوى أزيز عجلاته في احتكاكها المتواصل على الحديد، وصوت صافرته الذي يعلو بين الفينة والأخرى، كأن سائقه يريد أن يطمئننا أنه لا يزال يقظا في هذا الليل الذي يحمل المجاهل والمواجع والمآسي والأفراح. أجساد كثيرة متناثرة فوق مقاعد نُتِفت حافاتها وخُطَّت على ظهورها تواريخ وقصص وحروف ورسوم متنوعة، ورود وقلوب مزقتها الأسهم وآهات تكاد تنطق بها اللوحات الخشبية...علامات تشهد كلها على عبور الكثير من الملتاعين والمحرومين والموجوعين والمكلومين عبر هذه العربة ثم مضوا بعد أن تخلصوا من بعض ما أرّقهم.

تتجدد الوجوه في كل محطة، فتلفظ العربات الكثيرين ويمتلئ جوفها بالكثيرين، فتتغير الأنفاس وتتبدل روائح العطور وتتجدد الأحاديث. سحنات وأصوات وحقائب وصناديق وأكياس تتكدس في الأروقة وبين المقاعد وعلى حافات الكراسي. يصعد الواحد خالي الوفاض وينزل وقد احتطب كثيرا من الحكايات. ينزل وقد ضج هاتفه بأرقام كثيرة ينسى أصحابَها وتتلاشى ملامحهم بمجرد عبور باب المحطة، ثم في أقرب مقهى يريح جسده المنهك ويتخلص من كل تلك الأرقام من ذاكرته وذاكرة هاتفه كأن وجودها حمل ثقيل عليه، وعليه أن يزيحه.

         بعدما ناوله بائع الفواكه كيسا بلاستيكيا حوى كيلوغراما من فاكهة الفراولة الحمراء، قانية كدماء قلب عاشق، قصد عامر دكانا مجاورا ناوله صاحبه بدوره كيسا حشا بداخله بعض مواد غذائية. شاي .. سكر .. علبة فروماج من صنف لاهولونديز. غدا عامر يحب هذا الصنف من الجبن منذ قدمته له أخته سلمى يوما عندما زارته بالسجن. ألقى عامر على سحنة أخته نظرة غاضبة. خاطبها قائلا : " تعرفين سلمى أنني لا أحب المنتوج الامبريالي".. سكتت سلمى لحظة.. رفعت عينيها نحو زاوية بالسقف حيث غرقت عنكبوت عجوز في نسج خيوط بيتها في صمت رهيب.. عادت وسط الضوضاء تحدق في السحنة الغامضة لأخيها عامر .. غامضة كتلك الأسفار العجيبة التي كان يأتي بها من الجامعة كل مساء..أجابته بابتسامة على الشفتين: " هذا ما وجدته اليوم عند البقال.. في الزيارة المقبلة أحضر لك جبنا من البلد".. لكن عامر حين تناول قطعة أولى منه، ما لبث أن توله به. حشا الكيس الثاني داخل الأول، أو العكس، لا يذكر بالضبط.  وجد نفسه يتجه نحو مسكنه المتواضع سيرا على القدمين كما يحب أن يفعل دائما. في الطريق، لاحظ أنه كلما صادف شخصا، ما يلبث أن ينقض على الكيس بنظرة حادة يغرسها بداخله مثل مخالب حيوان مفترس، دون أن يعبأ بالنظر إلى وجهه الكريم كأنه لا وجود له !!

     النظرة الأولى تحملها عامر بصبر. فهو كعادته رجل صبور في كل المواقف، عملا بالوصايا التي شُحنت بها جمجمته الصلبة منذ طفولته. النظرة الثانية بدت له شرسة من شاب بسحنة داكنة بها خدوش توجس منها خيفة. استحضر في الحين ذكرى سلمى التي انقض عليها أحدهم في الشارع قبل أسابيع. نبع الوغد بغتة من جوف الأرض كعفريت مارد. دفعها بقوة إلى أن سقطت أرضا. خطف منها حقيبة يدها بينما هي تعبر الشارع و ذهنها تائه. حاولت النهوض لتتعقب الولد. عجزت. حاولت من جديد. انهارت. كانت تريد فقط استرداد الهاتف الذي دأبت على أن تدفن به أسرارها كل ليلة. حين تختبئ داخل غرفتها تلتقط لها صورا خاصة تدفنها بداخله. بالهاتف أيضا عشرات الصور لوالديها قبل أن تصعد روحاهما إلى السماء. كانت تزورهما كل ليلة بمقبرة الهاتف حين ينام القوم. تناجيهما في سكون الليل. عندما عادت إلى البيت، لم تعد تتذكر إن كان الوغد الهائج هو الذي خطف منها الهاتف أم هي التي ناولته له راضية كي تأمن شره. بكت سلمى كثيرا . غاص البيت كله في بحر من الحزن. بعد أيام، سقطت صريعة كدب جريح .. مهزوم.. عم الظلام الدامس البيت بكامله. حين صحت ظلت تسمع كلام الجارات يعزينها في الفقدان.  

ليس اللجوء مجرّد ظاهرة اجتماعية أو نتيجة حتمية لنزاع سياسي؛ ولا هو ملفّ حقوقيّ يمكن تدبيره بقرارات المنظمات الدولية أو بلاغات التضامن الموسمية. لا، إنّ اختزال أزمة اللاجئين في أبعادها الإدارية أو الإغاثية لا يفعل سوى تعميق الجرح، لأنّه يتعامى عن الطابع البنيوي لهذه المأساة. فاللاجئ ليس شذوذاً عن النظام العالمي، بل هو نتاجه المباشر، مرآته المعتمة، وضحيّته التي تفضح هشاشته.
من هنا، يكون دور الفلسفة غير قابل للتأجيل، لأنّ الفلسفة، حين تخرج من برجها العاجي وتتمرّد على مقامها الأكاديمي، تصبح فعلاً مقاوماً، وموقفاً تحررياً، وصوتاً للذين لا صوت لهم. إنّها، كما أرادها بعض حكمائها، صوت المقموع في حضرة المنتصر، وصرخة المعنى في وجه السيولة التي تحوّل الإنسان إلى فائض وجوديّ.
الحديث عن اللاجئ، إذن، ليس حديثاً عن ضحيّة، بل عن جهاز إنتاج للضحيّة، عن منظومة تصنع المنفيّ كما تصنع البضائع، وعن حداثة لم تعد قادرة على توفير مأوى حتى للإنسان الذي أنتجته.
ليست بداية أزمة اللجوء كما توهّم البعض مرتبطة فقط بتاريخ الهجرة من المستعمرات نحو المركز الأوروبي، بل كانت منذ بداياتها الأولى دليلاً على انهيار العلاقة العضوية بين الفرد والمكان، بين الذات والتاريخ، بين الهوية والوطن. لم تكن المسألة مسألة انتقال جسدي، بل تفكك رمزي، وتشظٍّ وجوديّ جعل من الشتات شرطاً إنسانياً جديداً.

يُعدّ التفكير النقدي ـ وهو مهارة متجذرة في التقاليد الفلسفية الغربية ـ حجر الأساس للابتكار والديمقراطية والتقدم لقرون. وبينما نواجه تعقيدات القرن الحادي والعشرين، يبدو أن هذه القدرة التي كانت ثمينة في السابق تفقد تأثيرها على الوعي الجماعي. فمن الفصول الدراسية إلى قاعات الاجتماعات، غالباً ما تُطغى ردود الفعل الانفعالية والمعلومات المضللة والتفكير الجماعي، على قدرة التفكير والتحليل والتساؤل. إن تراجع التفكير النقدي في الغرب ليس مجرد مشكلة أكاديمية مجردة، بل هو أزمة ثقافية ذات عواقب واقعية.

إن التأمل في أصل التفكير النقدي يقود إلى اليونان القديمة كمهد لهذا النهج الفكري، بفضل مفكرين مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو. تحدى سقراط، بأسئلته الثاقبة، الافتراضات، وحثّ أتباعه على البحث عن الحقيقة بدلاً من الاكتفاء بالإجابات السهلة. وقد أرسى منهجه السقراطي، وهو شكل من أشكال الحوار الجدلي التعاوني، أسس التفكير الغربي.

ومع حلول عصر التنوير، عاد التفكير النقدي إلى الواجهة. فقد أكد فلاسفة مثل جون لوك وإيمانويل كانط وفولتير على العقل كأداة لفهم العالم وتحسين الظروف الإنسانية. وقد ألهمت هذه الأفكار الثورات، والتقدم العلمي، وصعود قيم الديمقراطية.

ولكن مع ازدياد تعقيد المجتمعات، ازدادت الحاجة إلى المهارات المعرفية للأفراد. فالمهارات التي كانت تُمكّن الجماهير من المشاركة في الحكم والابتكار آخذة في التراجع. لماذا؟ لأن الحياة العصرية أدخلت عوامل تشتيت وتشوهات، ومجموعة من الإخفاقات المنهجية التي تُضعف قدرتنا على التفكير النقدي.

التهديد الصامت للتكنولوجيا

في العصر الرقمي، تُعدّ التكنولوجيا معجزة وتهديداً في آنٍ واحد. فبينما تُتيح وصولاً غير مسبوق للمعلومات، فإنها تُهيئ بيئةً يُمكن فيها تجاوز التفكير النقدي بسهولة. فعلى سبيل المثال، يُغرد الناس بمحتوى قصير مُصغّر مُصمم لإثارة ردود فعل عاطفية بدلاً من الاستجابات المدروسة. فكّر في كيفية عمل الخوارزميات. تُعطي الأولوية للتفاعل، ما يعني غالباً عرض محتوى يُعزز معتقدات المستخدمين. بدلاً من استكشاف وجهات نظر مُتنوّعة، ينتهي الأمر بالناس في غرف صدى، حيث نادراً ما تُناقش آراؤهم. لا تقتصر هذه الظاهرة على السياسة فحسب، بل إنها مُنتشرة في جميع جوانب الحياة، من الثقافة والسلوكيات مروراً بالنصائح الصحية إلى خيارات المُستهلكين.

عادة ما يُنظر إلى الهجرة الأفريقية إلى أوروبا على أنها موجة عارمة من الناس اليائسين الهاربين من الفقر والحروب في أوطانهم محاولين الدخول إلى جنة الأوروبية المراوغة. تشمل "الحلول" النموذجية التي يقترحها الساسة زيادة الضوابط الحدودية، أو تعزيز التنمية الأفريقية "القائمة على البقاء في الوطن". ولكن هذه الآراء تستند إلى افتراضات خاطئة جوهرياً بشأن حجم الهجرة وتاريخيها، وطبيعة وأسباب هذه الهجرة. وتتجاهل الخطابات السائدة أن الهجرة الأفريقية إلى أوروبا يغذيها الطلب البنيوي على العمالة المهاجرة الرخيصة في القطاعات غير الرسمية. وهذا يفسر لماذا فشلت سياسات الهجرة التقييدية دائماً في وقف الهجرة وخلفها تأثيرات ضارة مختلفة. كما أن التنمية الأفريقية من غير المرجح أن تحد من الهجرة لأنها ستمكن وتلهم المزيد من الناس على الهجرة. وعلى الرغم من الخدمة الشفهية التي يتم تقديمها لـ "مكافحة الهجرة غير الشرعية" لأسباب سياسية ودبلوماسية، فإن الدول الأوروبية أو الأفريقية ليس لديها الكثير من الاهتمام الحقيقي بوقف الهجرة.

الفيضان القادم

في السنوات الأخيرة، حظيت الهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا باهتمام واسع النطاق. إن التقارير الإعلامية المثيرة والخطابات الشعبية تؤدي إلى ظهور صورة كارثية لموجة أو "هجرة" من الأفارقة "اليائسين" الفارين من الفقر في وطنهم بحثاً عن "النعيم" الأوروبي، محشورين في سفن مهترئة منذ زمن بعيد لا تكاد تطفو على سطح الماء. ومن المعتقد عموماً أن الملايين من الأفارقة من دول جنوب الصحراء الكبرى ينتظرون في شمال أفريقيا العبور إلى أوروبا، الأمر الذي يغذي الخوف من الغزو.

إن الحكمة التقليدية التي تقوم عليها مثل هذه الحجج هي أن الحرب والفقر هما السببان الجذريان للهجرة الجماعية عبر أفريقيا ومنها. وتختلط الصور الشعبية للفقر المدقع والمجاعة والحرب القبلية والتدهور البيئي في صورة نمطية لـ "البؤس الأفريقي" باعتبارها الأسباب المفترضة لموجة المد المتضخمة من المهاجرين الأفارقة المتجهين شمالاً.

غالباً ما ينظر الأوروبيون إلى أفريقيا باعتبارها مكاناً شاقاً للعيش، حيث يسعى سكانها للهجرة إلى القارة العجوز. وتصور وسائل الإعلام والسياسيون والعلماء أنفسهم الحركة في القارة على أنها تدفق من الجنوب إلى الشمال عر شمال إفريقيا كبوابة إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن هذا الخطاب غير مستنير ولا يعمل إلا على ترسيخ فكرة "الغزو الأفريقي" في المجتمع الأوروبي، والتي توفر في الوقت نفسه الأساس لتأمين الهجرة وإخراجها.

إن الساسة ووسائل الإعلام على جانبي البحر الأبيض المتوسط ​​يستخدمون عادة مصطلحات مثل "الغزو الشامل" و"الطاعون" لوصف هذه الظاهرة. في يوليو/تموز 2006 حذر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك من أن الأفارقة "سيغرقون العالم" ما لم يتم بذل المزيد من الجهود لتطوير اقتصاد القارة. ولا تلجأ وسائل الإعلام والسياسيين فحسب إلى سيناريوهات يوم القيامة كثيراً لإثبات وجهة نظرهم، بل وأيضاً العلماء. على سبيل المثال، صرح عالم البيئة البريطاني "نورمان مايرز" Norman Myers مؤخراً بأن التدفق الحالي للاجئين البيئيين من أفريقيا إلى أوروبا "سيُنظر إليه بالتأكيد على أنه مجرد قطرة إذا ما قورن بالفيضانات التي ستحدث في العقود المقبلة".

في الدنمارك يريد حوالي ثلثي الدنماركيين وقف الهجرة. وفي ألمانيا حيث يعد موضوع الهجرة ديناميتاً سياسياً. وفقاً لاستطلاع رأي أجري في أكتوبر 2024 من البوابة الإلكترونية Statista، صنف حوالي 35٪ من المشاركين موضوع "الهجرة واللجوء والأجانب" باعتباره المشكلة المجتمعية الأكثر أهمية في ألمانيا - أكثر من أولئك الذين كانوا أكثر اهتماماً بالاقتصاد أو تغير المناخ. في جميع أنحاء أوروبا، ازدادت حدة الخطاب حول الهجرة.

أعلن تشونغين لي (21 عاما) عن أول أداة غش تقنية من إنشاء شركته الخاصة "كلولي" (Cluely) والتي تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي للغش في كل شيء، وقد حظي بتمويل قدره 5.3 ملايين دولار من شركتي "أبستراكت فينشرز" (Abstract Ventures) و"سوسا فينشرز" (Susa Ventures) وفقا لموقع "تيك كرانش".
وقرر لي إنشاء شركته بعد طرده من جامعة كولومبيا لأنه طور وصديقه أداة للغش في مقابلات العمل لمهندسي البرمجيات، حيث أطلقا عليها اسم "إنترفيو كودير" (Interview Coder) وهي الآن جزء من شركتهما الناشئة "كلولي" الواقعة في سان فرانسيسكو.
وتتيح هذه الأداة فرصة الغش في الكثير من الأمور مثل الامتحانات ومكالمات المبيعات ومقابلات العمل، وذلك بفضل نافذة مخفية في المتصفح لا يمكن للمحاور أو القائم على الاختبار رؤيتها.
ونشرت "كلولي" بيانا ذكرت فيه أن الاختراعات -مثل الآلة الحاسبة ومدقق الإملاء والنحو- كانت تعتبر في بدايتها غشا ولكنها الآن أصبحت أدوات أساسية، وأضافت أنه في كل مرة تجعلنا فيه التكنولوجيا أكثر ذكاء فإن العالم يصاب بالذعر ثم يتكيف وينسى، وفجأة يصبح الأمر طبيعيا.
وقد صرح لي الرئيس التنفيذي لشركة "كلولي" أن عائدات أداة الغش بالذكاء الاصطناعي تجاوزت 3 ملايين دولار، في وقت سابق من هذا الشهر.

حذر محللون من أن أسعار هواتف آيفون في الولايات المتحدة قد ترتفع بشكل هائل نظرا لاعتماد آبل الكبير على واردات من الصين، المركز الرئيسي لتصنيع الأجهزة والتي تخضع لأعلى معدل رسوم جمركية يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتبلغ حاليا 125%.
وقالت مصادر لوكالة رويترز للأنباء إن شركة التكنولوجيا العملاقة آبل استأجرت رحلات شحن لنقل 600 طن من هواتف آيفون، أو ما يبلغ 1.5 مليون هاتف، إلى الولايات المتحدة من الهند بعد أن كثفت إنتاجها هناك في محاولة لتخفيف وطأة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي.
وتقدم تفاصيل تلك الخطوة نظرة على إستراتيجية آبل الخاصة للتعامل مع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وبناء مخزون من هواتفها التي تحظى بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة، وهي واحدة من أكبر أسواقها.
وتتجاوز هذه النسبة بكثير الرسوم الجمركية البالغة 26% على الواردات من الهند، والتي توقفت حاليا بعد أن أعلن ترامب تعليقا لمدة 90 يوما، لكنه استثنى منه الصين.
وقال أحد المصادر المطلعة على الخطة إن آبل "أرادت أن تفلت من الرسوم".
وأضاف المصدر أن الشركة ضغطت على سلطات مطار في الهند لتقليص الوقت اللازم لإنهاء الإجراءات الجمركية في مطار تشيناي في ولاية تاميل نادو بجنوبي البلاد إلى 6 ساعات بدلا من 30 ساعة.

استحوذت شركة الذكاء الاصطناعي "إكس إيه آي" (xAI) -المملوكة لرجل الأعمال إيلون ماسك- على شركة "هاتشوت " (Hotshot)، وهي شركة ناشئة تعمل على أدوات توليد الفيديو بالذكاء الاصطناعي على غرار أداة "سورا" (Sora) من "أوبن إيه آي"، وفقا لموقع "تيك كرانش".

وقد أعلن أكاش ساستري الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "هاتشوت" عن هذا الخبر في منشور على منصة إكس، وكتب "على مدار العامين الماضيين أنشأنا 3 نماذج أساسية للفيديو كفريق صغير، ولقد ألهمنا تدريب هذه النماذج نظرة شاملة حول كيفية تغير التعليم والترفيه والتواصل والإنتاجية في السنوات القادمة، ونحن متحمسون لمواصلة توسيع نطاق هذه الجهود باستخدام موارد (إكس إيه آي) الضخمة وتحديدا حاسوب كولوسيس (Colossus)".

وتأسست شركة هاتشوت -التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها- منذ عدة سنوات على يد ساستري وجون مولان، وكانت الشركة الناشئة تركز في البداية على تطوير أدوات إنشاء وتحرير الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لكنها توجهت نحو نماذج تحويل النص إلى فيديو بالذكاء الاصطناعي.

ونجحت هاتشوت في جذب استثمارات من مستثمرين مختلفين، أبرزهم لاشي جروم والمؤسس المشارة لمنصة "ريديت"(Reddit) أليكسيس أوهانيان، بالإضافة إلي صندوق استثماري يُعرف باسم "إس في أنجل" (SV Angel)، ولم تعلن الشركة عن قيمة الاستثمارات.

آخر الأنشطة الثقافية والعلمية

  • المهرجان الدولي العاشر للقصة القصيرة بخنيفرة يكرم القاص محمد العتروس - رشيد الكامل
    المهرجان الدولي العاشر للقصة القصيرة بخنيفرة يكرم القاص محمد العتروس - رشيد الكامل وسط جمهور نوعي من مختلف الأعمار والأجناس وحضور ملفت لمبدعين مغاربة وعرب، احتفت جمعية الأنصار للثقافة بخنيفرة، في الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للقصة القصيرة بالكاتب والقاص محمد العتروس.فعاليات المهرجان الدولي العاشرة للقصة القصيرة، التي انعقدت أيام 27 و28 و29 دجنبر الماضي، بالمركز الثقافي أبو القاسم الزياني، تحت شعار" الهوية والذات في السرد العربي"، عرفت في بدايتها إلقاء كلمات المنظمين كانت أبرزها كلمة رئيس جمعية الأنصار للثقافة عزيز ملوكي ، بعد ذلك تم عرض شريط وثائقي يؤرخ لمسيرة المبدع محمد العتروس، الذي قيلت في حقه شهادات من طرف كل من الكاتب حسن إغلان، والقاص المصطفى اجماع، والقاص عبد الواحد كفيح.وكانت الفقرة التي انتظرها الحاضرون، هي لحظة تكريم الكاتب والقاص محمد لعتروس الذي تسلم درع التكريم وزربية محلية وشهادة تقديرية ولوحات تشكيلية…