في باحة البيت، استلقوا تحت مربع الشمس ساعة قبل أن يستيقظ الأب ويحملهم إلى الشاطئ. انتظروا ساعة أو أكثر حتى كاد أن يصيبهم القرف لكنهم ظلوا يتسلون بالزرقة التي تطل عليهم من فوق بكسل ريثما تتحرك عقارب النهار.
أصغرهم، والذي بالكاد تعلم النطق، سأل وهو ينظر في قلب السحب العابرة، إن كانت الغيوم أمواجا.. أوسطهم، والذي ذهب للشاطئ مرارا، أدرك أنها السماء. تساءل هو الآخر في تماه لذيذ.. إن كان الطيران عموديا يشبه سقطة من علو شاهق.. أكبرهم يدرك أن الأرض كروية الشكل. لذلك، فإن الطيران من جهة يشبه السقوط من جهة أخرى.
رأيتهم بالأمس خلف كومة البيوت الصغيرة، ينبشون في التراب المحاذي لسور المقبرة. وجدوا رصاصة فاتسعت عيونهم من الذهول.. أضرموا النار فلم تنفجر.. حفروا ثانية وبحذر أكبر وهم يشعرون بقيمة المنجم الذي اكتشفوه.. تواعدوا ألا أحد منهم سيبوح بالسر، ثم ما لبثوا أن انخرطوا في حرب وهمية وهم يختفون بين شواهد القبور، ويطلقون أصواتهم بحجم رنين الطلقات. مثل رسوم متحركة نهضوا من موتهم مرارا وأعادوا تسديد الطلقات وأعادوا النبش في التراب، ولم تكن لديهم سوى رصاصة واحدة حقيقية.. وأن تكون بحوزتهم فذلك يكفي لأن يخلق إحساسا مختلفا بأهمية الحروب.
انتهوا عند الدكان قرب البيت، حدثهم المحارب القديم عن البطولات الوهمية التي حققها، دون أن يجيبهم إن كان التراب خلف المقبرة يشكل مخزنا حقيقيا للأسلحة. لم يخبروه عن الرصاصة.. ولم يخبرهم إن كانت لديه فوهة يحتفظ بها. لذلك ناموا دون أجوبة حقيقية ليستيقظوا تحت مربع السماء.