"الويل لأمة كثرت فيها طوائفها.. وكل طائفة تقول: أنا أمة".
الويل لهم كما قال (جبران خليل جبران) منذ قرن من الزمن..
1-مقدمة:
تشكل المسألة الطائفية أحد أخطر مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية في العالم العربي الإسلامي، وهي تشكل تهديدا مستمرا للوجود الإنساني، وأداة لتدمير مختلف التكوينات الاجتماعية التي تقوم على المواطنة والحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان. فالطائفية، نزعة تدميرية، تسكن الوجدان الجمعي العربي وهي نوع مكثف من الأيديولوجيا السياسية الدينية التي تغلغلت في أعماق العقل العربي، وتكثفت في المنطقة الأعمق من مكنونات اللاشعور الجمعي منذ قيام الدولة الأموية حتى الآن. وقد شهدت النزعة الطائفية تاريخا من حالة التذبذب بين الحضور والغياب على مقياس الحوادث السياسية والاجتماعية هبوطا أو صعودا في مختلف المناطق العربية والإسلامية. ويرصد المفكرون أن حضور هذه النزعة يكون عاصفا ومدمرا في أثناء الانتكاسات السياسية والأزمات الاجتماعية التي تشهدها بعض الدول والبلدان. وقد يعود هذا التعصب الطائفي بعد ثورته إلى الاستقرار والهدوء وذلك عندما ترتفع مؤشرات الهدوء والاستقرار في المجتمعات. ويلاحظ في هذا السياق أن الطائفية قد ترسبت في الأعماق مع ظهور الدولة الوطنية القطرية في سوريا ولبنان والعراق، ولكنها لا تلبث أن تنهض من القاع كقوة بركانية متفجرة مع أي اهتزازات سياسية في السطح فتعمل- بقوة تدميرية هائلة جارفة على تدمير الروابط الاجتماعية والإنسانية في المجتمع لتهدد كل أشكال الوحدة الوطنية أو الصيغ الحضارية للتجمعات الإنسانية السياسية.
وقد شكلت هذه الظاهرة " الطائفية" الشغل الشاغل للباحثين والمفكرين في العالم العربي منذ عهود تاريخية قديمة. وما تزال هذه الظاهرة تطرح نفسها للبحث والدراسة في ظل ظروف سياسية جديدة تلعب فيها المتغيرات الدولية تأثيرا كبيرا وواضحا في تفكيك مجتمعاتنا وتدمير أواصر الحياة الاجتماعية والسياسية فيها.
ويمكن القول تاريخيا، وفي المستوى السوسيولوجي، أن أي شكل من أشكال الاهتزازات السياسية أو الاضطرابات الاجتماعية كان يترافق مع انفجار المسألة الطائفية، ولاسيما في حالات الحراك الاجتماعي أو الثورات الاجتماعية. فثورة الفلاحين في جبل عامل في لبنان كانت في جوهرها ثورة اجتماعية فتحولت ضمن اللعبة السياسية الإقطاعية في ذلك الزمن إلى حرب طائفية، وهذا عين ما نشهده اليوم في سوريا وفي العراق وفي لبنان أيضا.